في الأيام التي كانت فيها بابل عاصمة الإمبراطورية العظيمة، كان نبوخذنصَّر الملك يحكم بسلطان وقوة. وفي السنة الثانية من حكمه، رأى الملك حلمًا أزعجه وأقلق راحته. استيقظ من نومه مرتعبًا، لكنه لم يستطع تذكر تفاصيل الحلم. أرسل الملك على الفور واستدعى جميع حكمائه وسحرة بابل وعرافيهم ليُفسِّروا له الحلم.
فقال الملك لهم: “لقد رأيتُ حلمًا، وروحي مضطربة لأني أريد أن أعرف معناه.”
فأجاب الحكماء: “ليعِش الملك إلى الأبد! أخبر عبيدك بالحلم، ونحن نبين تفسيره.”
لكن الملك ردَّ عليهم بغضب: “لقد عزمتُ على أمر: إذا لم تخبروني بالحلم وتُفسِّروه لي، فإنكم تُقطَّعون إربًا، وتُجعل بيوتكم مزبلة! ولكن إذا أخبرتموني بالحلم وفسرتموه، فستنالون هدايا وجوائز وكرامة عظيمة.”
ارتعب الحكماء وأجابوا: “ليس هناك إنسان على الأرض يستطيع أن يُخبر الملك بحلمه! ولا يوجد ملك أو حاكم طلب مثل هذا الطلب من أي عرَّاف أو ساحر! الأمر الذي يطلبه الملك عسير، ولا يوجد من يستطيع أن يُخبر الملك به إلا الآلهة، ومسكنها ليس مع البشر.”
فغضب الملك غضبًا شديدًا وأمر بإبادة جميع حكماء بابل، بما فيهم دانيال ورفاقه: حننيا وميشائيل وعزريا. فلما سمع دانيال بالأمر، ذهب إلى الملك وطلب منه مهلة ليفسر الحلم. ثم عاد دانيال إلى بيته وأخبر رفاقه الثلاثة بالأمر، وطلب منهم أن يصلوا إلى إله السماء طالبين الرحمة ليكشف لهم سر الحلم، لئلا يهلكوا هم وسائر حكماء بابل.
وفي الليل، كشف الله السر لدانيال في رؤيا. فبارك دانيال إله السماء قائلًا:
“ليكن اسم الله مباركًا من الأزل إلى الأبد! لأن له الحكمة والقوة. هو يُغيِّر الأزمنة والأوقات، يعزل ملوكًا ويُقيم ملوكًا. يعطي الحكماء حكمة، ويفتح أبواب الفهم للعقلاء. هو يكشف الأعماق والأسرار، ويعرف ما في الظلام، والنور عنده ساكن. أيها الإله، إله آبائي، أحمدك وأمجدك لأنك أعطيتني حكمة وقوة، وكشفت لي ما طلبناه منك، فقد عرَّفتنا بأمر الملك.”
ثم ذهب دانيال إلى رئيس الحرس الذي كان مكلفًا بإبادة الحكماء، وقال له: “لا تُهلك حكماء بابل، بل اصحبني إلى الملك، فسأُخبره بتفسير الحلم.” فأخذه رئيس الحرس إلى الملك مسرعًا وقال: “وجدت رجلًا من بني سبْي يهوذا يُخبر الملك بتفسير الحلم.”
فقال الملك لدانيال: “هل تستطيع أن تُخبرني بالحلم الذي رأيته وتُفسِّره لي؟”
فأجاب دانيال: “السر الذي طلبه الملك، لا يستطيع الحكماء ولا السحرة ولا العرافون أن يُخبروا الملك به. ولكن هناك إله في السماء يكشف الأسرار، وقد عرَّف الملك نبوخذنصَّر بما سيحدث في الأيام الأخيرة. هذا هو حلمك والرؤى التي جاءت في رأسك على فراشك.”
ثم شرع دانيال في وصف الحلم:
“أيها الملك، كنتَ تنظر في رؤيا، وإذا بتمثال عظيم واقف أمامك. هذا التمثال كان عظيمًا وبريقه فائق، منظره مهيب ومخيف. رأس هذا التمثال كان من ذهب نقي، صدره وذراعاه من فضة، بطنه وفخذاه من نحاس، ساقاه من حديد، وأقدامه بعضها من حديد والبعض الآخر من خزف. وبينما كنتَ تنظر، انفصل حجر بغير يدين وضرب التمثال على قدميه من حديد وخزف، فتحطم التمثال كله وصار كعصافة البيدر في الصيف، فحملتها الريح ولم يُوجد لها مكان. أما الحجر الذي ضرب التمثال، فقد صار جبلًا كبيرًا وملأ الأرض كلها.”
ثم بدأ دانيال في تفسير الحلم:
“أيها الملك، أنت رأس الذهب. ملكوتك هو أعظم الممالك، وقد أعطاك الله السلطان والقوة والمجد. وبعدك ستقوم مملكة أخرى أقل منك، وهي صدر التمثال وذراعاه من فضة. ثم مملكة ثالثة من نحاس، ستتحكم في الأرض كلها. ثم مملكة رابعة قوية كالحديد، لأن الحديد يُحطم ويكسر كل شيء، وكالحديد الذي يُفتت، فهذه المملكة ستسحق وتفتت الجميع. وأما القدم والأصابع التي رأيتها بعضها من خزف والبعض من حديد، فهذا يعني أن المملكة ستكون منقسمة، فيها قوة الحديد، لكنها مختلطة بالخزف، أي أنها لن تبقى قوية كالحديد. وفي أيام هؤلاء الملوك، سيقيم إله السماء مملكة لن تنقرض أبدًا، ولن تُترك لشعب آخر. هذه المملكة ستسحق وتفني كل الممالك الأخرى، ولكنها هي ستثبت إلى الأبد. وهذا هو معنى الحجر الذي انفصل بغير يدين وضرب التمثال على قدميه من حديد وخزف. الله العظيم قد أخبر الملك بما سيحدث بعد هذا. والحلم صحيح، وتفسيره أمين.”
فلما سمع الملك نبوخذنصَّر تفسير الحلم، سجد على وجهه أمام دانيال وأمر بأن يُقدَّم له تقدمة وبخور. ثم قال الملك لدانيال: “حقًا إن إلهكم هو إله الآلهة ورب الملوك، وكاشف الأسرار، إذ استطعتَ أن تكشف هذا السر.” ثم رفع الملك مكانة دانيال وأعطاه هدايا عظيمة، وجعله رئيسًا على كل حكماء بابل. كما طلب من دانيال أن يبقى في البلاط الملكي، فجعل رفاقه حننيا وميشائيل وعزريا وكلاء على أمور ولاية بابل.
وهكذا، كشف الله سر الحلم لدانيال، وأنقذه هو ورفاقه من الهلاك، ورفع مكانتهم في مملكة بابل. وكانت هذه بداية الطريق الذي سيسلكه دانيال في خدمة الله وسط أمة غريبة، ليُظهر مجد الله وقوته للعالم أجمع.