الكتاب المقدس

رسالة بولس إلى أهل كولوسي: نور الإيمان والحكمة

في البدء، كان هناك رسالة مملوءة بالحكمة والنعمة، كتبها الرسول بولس إلى أهل كولوسي، مدينة صغيرة ولكنها عزيزة على قلبه. كانت كولوسي مدينة تقع في آسيا الصغرى، حيث عاش أناس آمنوا بالمسيح وبدأوا يسيرون في طريق الإيمان. لكنهم، مثل كثيرين في ذلك الزمان، كانوا بحاجة إلى توجيه روحي ليثبتوا في الإيمان ويقاوموا التعاليم المضللة التي بدأت تنتشر بينهم.

بدأ بولس رسالته بالشكر لله، مصليًا من أجلهم بقلب ممتلئ بالفرح. قال: “نشكر الله، أبو ربنا يسوع المسيح، كل حينٍ من جهتكم، مصلِّين لأجلكم.” كان بولس يعلم أن إيمانهم بالمسيح ومحبتهم لجميع القديسين هي علامات على عمل الروح القدس في حياتهم. وكان يتطلع إلى أن ينمو هذا الإيمان أكثر فأكثر، ليكونوا قادرين على تمييز مشيئة الله والعيش بحكمة وكمال.

ثم انتقل بولس ليتحدث عن عظمة المسيح، ملك الملوك ورب الأرباب. وصف المسيح بأنه “صورة الله غير المنظور، بكر كل خليقة.” كان بولس يريد أن يفهم الكولوسيون أن المسيح ليس مجرد معلم أو نبي، بل هو الله المتجسد، الذي به خُلق كل شيء في السماء وعلى الأرض، ما يُرى وما لا يُرى. كل شيء وُجد به وله، وهو الذي يحفظ الكون في توازن وانسجام.

وتحدث بولس عن دور المسيح في الخليقة والفداء. قال: “فإنه فيه خُلق الكل: ما في السماوات وما على الأرض، ما يُرى وما لا يُرى، سواء كان عروشًا أم سيادات أم رياسات أم سلاطين. الكل به وله قد خُلق.” ثم أضاف: “وهو قبل كل شيء، وفيه يقوم الكل.” كان بولس يؤكد أن المسيح هو مركز الكون، وأن كل شيء يعتمد عليه في وجوده واستمراره.

ولكن بولس لم يتوقف عند الخليقة، بل تابع ليتحدث عن الفداء العظيم الذي أتمه المسيح على الصليب. قال: “وهو رأس الجسد، الكنيسة. هو البداءة، بكر من الأموات، لكي يكون هو متقدمًا في كل شيء.” كان بولس يشرح أن المسيح، بموته وقيامته، قد انتصر على الخطية والموت، وصالح البشرية مع الله. وأكد أن هذا الفداء هو أساس رجاء المؤمنين، وأنهم مدعوون للتمسك بهذا الرجاء بثبات.

ثم توجه بولس إلى الكولوسيين بكلمات تشجيع وتحذير. قال: “فإنني أريد أن تعلموا أي جهاد لي لأجلكم، ولأجل الذين في لاودكية، وكل الذين لم يروا وجهي في الجسد.” كان بولس يعاني من السجن من أجل الإنجيل، لكنه كان ممتلئًا بالفرح لأنه يعلم أن آلامه هي جزء من خطة الله لتبشير الأمم. وحذرهم من التعاليم الكاذبة التي كانت تروج لفكرة أن الخلاص يأتي من خلال الطقوس أو الحكمة البشرية، مؤكدًا أن الخلاص هو فقط بالإيمان بالمسيح.

وختم بولس رسالته بتذكيرهم بسلطان المسيح وعمله في حياتهم. قال: “الذي أنقذنا من سلطان الظلمة، ونقلنا إلى ملكوت ابن محبته، الذي لنا فيه الفداء، غفران الخطايا.” كان بولس يريد أن يعيش الكولوسيون كأبناء للنور، ممتلئين بالمعرفة الروحية، ومثمرين في كل عمل صالح.

وهكذا، كانت رسالة بولس إلى أهل كولوسي بمثابة نور يضيء طريقهم، ويذكرهم بعظمة المسيح وعمق محبة الله. كانت دعوة للثبات في الإيمان، والنمو في المعرفة، والعيش كشعب مقدس، مكرس لمجد الله.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *