الكتاب المقدس

بولس يشهد أمام الملك أغريباس بقوة الإيمان

في يوم من الأيام، بينما كانت الشمس تشرق بلونها الذهبي فوق مدينة قيصرية، كان الرسول بولس يقف في قصر الحاكم الروماني فستوس، محاطًا بكبار رجال الدولة والضباط والوجهاء. كان الجو مشحونًا بالتوتر، ولكن بولس، الذي كان مقيّدًا بالسلاسل، وقف بثبات وهدوء، وكأنه يحمل في قلبه سلامًا يفوق كل فهم.

بدأ فستوس الحديث، موجّهًا كلامه إلى الملك أغريباس، الذي كان قد جاء ليستمع إلى قضية بولس. قال فستوس: “أيها الملك أغريباس، وبكل الحاضرين معنا، ها هو الرجل الذي أثار كل اليهود في أورشليم وفي هذه المنطقة أيضًا. لقد جاؤوا إليّ يطالبون بإصدار حكم الإعدام عليه. ولكنني، بعد التحقيق، لم أجد فيه أي ذنب يستحق الموت. ومع ذلك، إذ كان قد طلب أن يحاكم أمام القيصر، قررت أن أرسله إلى روما. ولكن ليس لدي شيء أكتبه عنه لسيّدي القيصر. لذلك أحضرته أمامكم، وخاصة أمامك أيها الملك أغريباس، حتى أتمكن بعد الاستماع إليه من كتابة تقرير أوضح.”

ثم التفت الملك أغريباس إلى بولس وقال: “أنت مُرخَصٌ أن تتكلم عن نفسك.” فرفع بولس يده المقيّدة بالسلاسل، وبدأ يتحدث بصوته الواثق، الذي كان يحمل في طياته قوة إلهية.

قال بولس: “أيها الملك أغريباس، أنا أشكر الله لأنني سأدافع عن نفسي اليوم أمامك من كل ما يتهمني به اليهود. وأنت تعرف جيدًا كل عادات اليهود والمسائل التي بينهم. لذلك أرجو أن تسمع لي بصبر.”

ثم استمر بولس في سرد قصته، واصفًا كيف كان في الماضي من أشد المضطهدين للمسيحيين، وكيف كان يعيش حياة متشددة حسب تعاليم الفريسيين. قال: “كنت أضطهد أتباع هذا الطريق حتى الموت، مقيدًا إياهم ومسلمًا إياهم إلى السجون، رجالًا ونساءً. وقد شهد لي بذلك رئيس الكهنة وجميع الشيوخ.”

ثم وصف بولس اللحظة التي تغيرت فيها حياته إلى الأبد، عندما كان في طريقه إلى دمشق لاعتقال المزيد من المسيحيين. قال: “وفي منتصف النهار، أيها الملك، رأيت في الطريق نورًا من السماء، أشد لمعانًا من الشمس، قد أبرق حولي وحول الذين كانوا معي. فلما سقطنا جميعنا على الأرض، سمعت صوتًا يقول لي باللغة العبرية: شاول، شاول، لماذا تضطهدني؟ صعب عليك أن ترفس مناخس. فقلت: من أنت يا سيد؟ فقال: أنا يسوع الذي أنت تضطهده. لكن قم وقف على رجليك، لأني لهذا ظهرت لك، لأنتخبك خادمًا وشاهدًا بما رأيت وبما سأظهر لك به.”

ثم تابع بولس وصف كيف أطاع صوت الرب، وكيف تم تعميده ودُعي ليكون رسولًا للأمم، ليعلن لهم التوبة والإيمان بالمسيح. قال: “لذلك أيها الملك أغريباس، لم أكن عصيًا للرؤيا السماوية، بل بشرت أولًا الذين في دمشق وفي أورشليم، ثم جميع كورة اليهودية، ثم الأمم، أن يتوبوا ويرجعوا إلى الله، عاملين أعمالًا تليق بالتوبة.”

وفي نهاية كلامه، التفت بولس إلى الملك أغريباس وقال: “أيها الملك أغريباس، أتؤمن بالأنبياء؟ أنا أعلم أنك تؤمن.” فابتسم أغريباس وقال: “بقليل تقنعني أن أصير مسيحيًا!” فأجاب بولس: “ليت الله أنك تصير مثلما أنا، ما عدا هذه القيود.”

وبعد أن انتهى بولس من كلامه، قام الجميع وغادروا المكان، وهم يتحدثون فيما بينهم قائلين: “هذا الرجل لم يفعل شيئًا يستحق الموت أو القيود.” وقال أغريباس لفستوس: “كان يمكن أن يطلق سراح هذا الرجل لو لم يكن قد رفع دعواه إلى القيصر.”

وهكذا، بقيت قصة بولس وشهادته أمام الملك أغريباس تذكارًا لقوة الإنجيل وقدرته على تغيير القلوب، حتى في أقسى الظروف.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *