في الأيام التي تلت عودة شعب إسرائيل من السبي البابلي، كان النبي زكريا يتلقى رؤى من الرب لتعزية شعبه وإرشادهم. وفي إحدى تلك الرؤى العجيبة، رأى زكريا شيئًا غريبًا ومدهشًا، وهو ما دُوّن في الإصحاح الخامس من سفر زكريا.
بدأت الرؤيا عندما رفع زكريا عينيه فرأى درجًا طائرًا عظيمًا، طوله عشرون ذراعًا وعرضه عشر أذرع. كان هذا الدرج يطير في الهواء، وكأنه يحمل رسالة عاجلة من السماء إلى الأرض. كان الدرج مفتوحًا، وكُتِب عليه كتابة واضحة، لكنها كانت كتابة لعنة. كانت اللعنة موجهة إلى كل من يسرق أو يحلف بالرب كذبًا. كانت هذه اللعنة قوية وشاملة، تمس كل من يعصي وصايا الرب بهذه الخطايا.
فسأل زكريا الملاك الذي كان يتحدث معه: “ما هذا الدرج الطائر؟ وما معنى هذه اللعنة؟” فأجاب الملاك: “هذه هي اللعنة التي تخرج على وجه كل الأرض، لأن كل من يسرق أو يحلف بالكذب سيكون تحت هذه اللعنة. وسوف يدخل اللعنة بيت السارق وبيت الحالف بالكذب، وستبقى في بيته حتى تُهلكه مع كل ما له.”
ثم تغير المشهد فجأة، ورأى زكريا إيفة كبيرة، وهي مكيال يستخدم لقياس الحبوب. وكانت الإيفة مغلقة بغطاء من الرصاص، مما جعلها ثقيلة للغاية. فسأل زكريا الملاك مرة أخرى: “ما هذه الإيفة؟” فأجاب الملاك: “هذه هي الإيفة التي تمثل الإثم في كل الأرض.”
وفجأة، رُفع غطاء الإيفة، وإذا بداخلها امرأة جالسة. كانت المرأة ترمز إلى الشر والإثم، وكانت تتحرك داخل الإيفة كما لو كانت محبوسة فيها. فقال الملاك: “هذه هي الشريرة.” ثم أُغلق الغطاء عليها بقوة، وكأنها سُجنت داخل الإيفة إلى الأبد.
ثم رأى زكريا امرأتين أخريين، كانتا تحملان أجنحة مثل أجنحة اللقلق، وكانت الريح تحملهما في الهواء. فسأل زكريا: “إلى أين تأخذان هذه الإيفة؟” فأجاب الملاك: “إنهما تأخذانها إلى أرض شنعار، حيث سيُبنى لها بيت، وعندما يُوضع هناك، ستُثبت على قاعدتها.”
كانت أرض شنعار هي أرض بابل، المكان الذي بدأ فيه التمرد ضد الرب منذ أيام برج بابل. وكان إرسال الإيفة إلى هناك رمزًا لإبعاد الشر والإثم عن شعب إسرائيل، وإعادته إلى المكان الذي نشأ فيه، حيث سيُحكم عليه ويُقيد إلى الأبد.
هذه الرؤيا كانت رسالة قوية من الرب لشعبه. فقد أراد أن يطمئنهم بأن الشر لن يبقى بينهم إلى الأبد، بل سيُزال ويُحكم عليه. كما أراد أن يحذرهم من خطايا السرقة والحلف الكاذب، التي تجلب اللعنة على من يرتكبها.
وبعد أن انتهت الرؤيا، تأمل زكريا في كل ما رآه. كان يعلم أن الرب قد أعطاه هذه الرسالة ليس فقط لتحذير شعبه، ولكن أيضًا لتعزيتهم. فقد أرادهم أن يعلموا أن الرب سيطهر أرضهم من الشر، وسيُعيد بركته إليهم إذا التزموا بوصاياه.
وهكذا، خرج زكريا من هذه الرؤيا وهو ممتلئ بالرهبة والرجاء، وعاد إلى شعبه ليخبرهم بكل ما رآه، داعيًا إياهم إلى التوبة والتمسك بعهد الرب، حتى يتباركوا ويُحفظوا من كل شر.