**قصة من رسالة كورنثوس الثانية: الفصل السابع**
في مدينة كورنثوس العظيمة، حيث تلتقي الثقافات وتتنوع الأعراق، كان هناك جماعة من المؤمنين بالمسيح يعيشون وسط تحديات كثيرة. كان الرسول بولس قد كتب إليهم برسالة مليئة بالمحبة والتوجيه، لكنها حملت أيضاً كلمات قوية لتوبيخهم على بعض الأمور التي كانت تعكر صفو حياتهم الروحية.
وعندما وصلت الرسالة إلى كورنثوس، قرأها الشمامسة أمام الكنيسة المجتمعة. كان الجو مشحوناً بمشاعر مختلطة، فالكلمات التي سمعوها لم تكن مجرد تعاليم، بل كانت كسيف ذي حدين، يخترق القلوب ويُظهر ما بداخلها. بعض المؤمنين شعر بالحزن العميق، إذ أدرك خطاياه وتقصيره، بينما شعر آخرون بالغضب أو الارتباك. لكن الروح القدس كان يعمل في وسطهم، محوّلاً هذا الحزن إلى توبة حقيقية.
كان هناك رجل اسمه ديماس، أحد شيوخ الكنيسة، الذي شعر بثقل الكلمات أكثر من غيره. فقد كان متورطاً في خلاف مع أخيه في الإيمان بسبب أمور مادية. وعندما سمع رسالة بولس، انكسر قلبه. لم يستطع النوم تلك الليلة، فجثا على ركبتيه في بيته المتواضع، يبكي بحرارة ويطلب الغفران من الله. وفي الصباح، ذهب إلى أخيه الذي كان قد أساء إليه، واعترف بخطئه طالباً الصفح. لم تكن المصالحة بينهما سهلة، لكن نعمة الله كانت تعمل بقوة، فاحتضن الأخوان بعضهما بدموع غزيرة.
أما الشماسة ليديا، التي كانت تعتني بالفقراء والأرامل، فقد تأثرت هي الأخرى بكلمات بولس. كانت تشعر بالضيق لأن بعض المؤمنين كانوا يتجاهلون احتياجات المحتاجين، فقامت بتنبيه الكنيسة بحكمة ومحبة، داعية الجميع إلى التغيير. وبفضل عمل الله في قلوبهم، استجاب الكثيرون، وبدأت المحبة الحقيقية تظهر في أفعالهم.
وبعد فترة، عاد تيطس، رفيق بولس الأمين، من كورنثوس حاملاً أخباراً سارة. فقد أخبر بولس كيف أن الرسالة التي كتبها أحدثت تغييراً عظيماً. قال تيطس: “لقد حزنوا، لكن حزنهم كان حزناً مقدساً يقود إلى التوبة، فلم يندموا فقط على أخطائهم، بل قاموا بتصحيحها بجدية.” ابتسم بولس وهو يسمع هذا الكلام، وشعر بفرح عظيم يملأ قلبه. فقد أدرك أن حزنهم المؤقت قد أتى بثمر روحي دائم.
ثم جلس بولس ليكتب لهم مرة أخرى، فقال في قلبه: “الحزن الذي بحسب مشيئة الله يُحدث توبة لخلاص بلا ندامة، أما حزن العالم فيُنشئ موتاً.” لقد رأى كيف أن تأديب الرب، وإن كان مؤلماً في البداية، إلا أنه يُنتج براً وسلاماً. فامتلأ بولس بالتعزية، وشكر الله لأن الكورنثيين لم يقفوا عند حد الحزن، بل تحولوا إلى عمل المحبة والغيرة المقدسة.
وهكذا، تعلمت كنيسة كورنثوس أن التوبة الحقيقية ليست مجرد كلمات، بل هي تغيير يبدأ في القلب ويظهر في الحياة. لقد اختبروا قوة النعمة التي لا تترك الخاطئ في يأسه، بل ترفعه ليكون خليقة جديدة في المسيح.
**النهاية.**