الكتاب المقدس

يونان وغضبه ورحمة الله العظيمة

**قصة يونان وغضبه ورحمة الله**

في الأيام التي بعد أن نجا يونان من بطن الحوت، وذهب إلى نينوى لينادي برسالة التوبة، حدث أمرٌ أظهر غضب يونان وعظمة رحمة الله. فقد جلس النبي خارج المدينة، تحت ظل شجرة ينتظر ما سيحدث للمدينة العظيمة.

كانت نينوى مدينة عظيمة، تمتد شوارعها كأفرع النهر، وتزحم بيوتها بالرجال والنساء والأطفال. كان صوت يونان قد دوى في أزقتها: “بعد أربعين يومًا تنقلب نينوى!” فآمن أهلها بالله، ونادوا بصومٍ عام، ولبسوا المسوح من كبيرهم إلى صغيرهم، حتى إن الملك نزل عن عرشه وجلس على الرماد تائبًا. فلما رأى الله توبتهم، رحمهم ولم يُهلكهم.

لكن يونان اغتاظ غضبًا شديدًا. فخرج من المدينة وجلس شرقها، وصنع لنفسه مظلة من الأغصان وجلس تحتها في الظل، منتظرًا ليرى ما سيحدث للمدينة. كان قلبه ملتهبًا بالاستياء، لأنه عرف أن الله رحيم بطيء الغضب وكثير الرحمة، فلم يرد أن تكون نينوى، أعداء شعبه، تنال رحمة الله!

فقال يونان للرب: “آه يا رب، أليس هذا ما قلته حين كنت في بلدي؟ لذلك أسرعتُ وهربتُ إلى ترشيش، لأني عرفتُ أنك إله رحيم وحنان، بطيء الغضب وكثير الرحمة، وتندم على الشر. فالآن يا رب، خذ نفسي مني، لأن موتي خير من حياتي!”

فأجاب الرب: “هل يحسن بك أن تغضب هكذا؟”

لكن يونان لم يجب. فخرج من المظلة وجلس في العراء تحت حرارة الشمس المحرقة، منتظرًا مصير المدينة. فأعد الرب الله شجرة يقطين فنبتت في ليلة واحدة، وارتفعت فوق يونان لتظله، ففرح بها فرحًا عظيمًا. كان ظلها باردًا على رأسه، فهدأ من غضبه بعض الشيء.

ولكن في الغد، عند طلوع الفجر، أعد الله دودةً قضمت أصل الشجرة فذبلت. ثم لما ارتفعت الشمس، أرسل الله ريحًا شرقيةً حارة، ولحقت الشمس برأس يونان فأغمي عليه، وتمنى الموت مرة أخرى وقال: “موتي خير من حياتي!”

فقال له الرب: “هل يحسن بك أن تغضب لأجل شجرة اليقطين؟”

فأجاب يونان: “نعم، يحسن بي أن أغضب حتى الموت!”

فقال الرب: “أنت تحزن على شجرة لم تتعب فيها ولا ربيتها، التي نبتت في ليلة وبليت في ليلة. أفلا أشفق أنا على نينوى المدينة العظيمة، التي فيها أكثر من مئة وعشرين ألف نفس لا تعرف يمينها من شمالها، مع بهائم كثيرة؟”

فسكت يونان، وعرف أن رحمة الله أعظم من غضبه، وأن الله يريد أن يتوب الجميع ولا يهلك أحد. فبقي النبي جالسًا يتأمل في عظمة محبة الله التي تشمل كل الأمم، حتى أعداء إسرائيل.

وهكذا علم يونان أن الله ليس إله شعب واحد، بل هو إله الرحمة للعالم كله.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *