**قصة من رسالة يعقوب 3: لجام اللسان**
في أيامٍ مضَت، اجتمع رجالٌ حكماء في قريةٍ صغيرة عند سفح جبلٍ عالٍ، يتناقشون في أمور الإيمان والحكمة. وكان بينهم شيخٌ تقيٌ يُدعى أليما، عُرف بحكمته البالغة وورعه الشديد. وفي أحد الأيام، بينما كانوا يتحدثون عن قوة الكلام وأثره، نهض أليما وأمسك بيديه جَامًا صغيرًا يُستخدم لترويض الخيول.
رفع الجَام أمام الحضور وقال: “انظروا إلى هذا الشيء الصغير! إنه قادرٌ على توجيه فرسٍ قويٍ جامحٍ حيثما يشاء صاحبه. فكم بالحري اللسان، وهو وإن كان عضوًا صغيرًا في الجسد، إلا أنه يفتخر بأعظم الأفعال!”
ثم أخذ قطعةً خشبيةً صغيرة وأشعل فيها النار، فاحترقت بسرعة، ثم أشار إلى الغابة الكثيفة خلفهم وقال: “هذه الشعلة الصغيرة يمكنها أن تُحرق غابةً بأكملها إذا تُركت دون ضبط! هكذا اللسان أيضًا، هو نارٌ، عالمُ الإثم بين أعضائنا، يلوث الجسد كله، ويُضرم دائرةَ الحياة، لأنه مُشتعلٌ من جهنم!”
سكت الحضور في خشوعٍ، إذ أدركوا عمق كلماته. ثم تابع أليما: “كل أنواع الوحوش والطيور والزحافات تُذلَّل وتُروَّض، أما اللسان فلا يستطيع أحدٌ من الناس أن يُذلله. هو شرٌ لا يُضبط، مملوءٌ سمًّا مميتًا!”
رفع أحد الحاضرين يده وسأل: “يا معلم، كيف يمكننا أن نضبط ألسنتنا؟”
أجاب أليما بحكمة: “لاحظوا ينابيع الماء! أتخرج من نفس العين ماءً عذبًا ومُرًا؟ لا يمكن يا أحبائي! فكما أن الشجرة الطيبة تُثمر ثمرًا طيبًا، والرديئة تُثمر ثمرًا رديئًا، هكذا القلب المملوء حكمةً من فوق يُخرج كلامًا صالحًا. أما القلب المليء بالحسد والخصام، فكلامه يكون مسمومًا كالحية.”
ثم أردف: “من هو حكيمٌ وعالمٌ بينكم؟ فليُظهر بأعماله حسن سيرته في وداعة الحكمة. ولكن إن كان في قلوبكم غيرةٌ مريرةٌ وتحزب، فلا تفتخروا، لأن هذه ليست الحكمة النازلة من فوق، بل هي أرضيةٌ نفسانيةٌ شيطانيةٌ!”
ساد صمتٌ عميقٌ بينهم، فتابع: “الحكمة التي من فوق هي أولًا طاهرة، ثم مسالمة، مترفقة، مذعنة، مملوءة رحمةً وأثمارًا صالحةً، عديمة الرياء والمراء. وثمر البر يُزرع في السلام من أجل الذين يفعلون السلام.”
وبينما كانت الشمس تميل نحو الغروب، اختتم أليما كلامه قائلًا: “لذلك، يا إخوتي، لنجتهد أن يكون كلامنا مملوءًا نعمةً، مُملحًا بملح الحكمة، ليعرف الناس أننا أبناء الله الحقيقيون.”
فانصرف الجميع إلى بيوتهم، وهم يتأملون في قوة الكلام، عازمين أن يُخضعوا ألسنتهم لسيادة المسيح، ليكون بركةً لا لعنةً، نورًا لا ظلمةً. وهكذا تعلموا أن من يضبط لسانه، فهو رجلٌ كاملٌ، قادرٌ أن يضبط كل الجسد أيضًا.
**النهاية.**