**قصة مزمور 106: رحمة الله وسط عصيان شعبه**
في الأزمنة القديمة، عندما كان بنو إسرائيل يسيرون في البريّة، تحت سماء مترامية الأطراف تحكي قصص النعمة والعصيان، كتب داود النبي مزموراً يروي فيه قصة شعب اختبر عظمة الله ورحمته، رغم تكرار خطاياهم. كان المزمور 106 تذكيراً بقدرة الله على الغفران، حتى عندما ينسى الإنسان إحسانات الرب.
**الخروج من مصر: البداية المعجزة**
في أرض مصر، حيث العبودية والظلم، صرخ بنو إسرائيل إلى الرب من تحت نير الفراعنة. فسمع الله أنينهم، وأرسل موسى، عبده الأمين، ليحررهم بذراع قوية. رأوا بعيونهم معجزات عظيمة: ضربات النيل المتحول إلى دم، والضفادع التي غطت الأرض، والظلام الذي أطفأ نور الشمس. وفي الليلة الأخيرة، عندما جاء ملاك الموت ليضرب أبكار مصر، حمى الرب بيوتهم بدم الخروف، فنجوا.
لكن حتى في لحظة الخروج العظيمة، عند شاطئ البحر الأحمر، حيث المياه المتلاطمة من أمامهم وجيش فرعون من خلفهم، شكّوا في قدرة الله. صرخوا إلى موسى: “أَلَعَلَّهُ لَمْ تَكُنْ قُبُورٌ فِي مِصْرَ حَتَّى أَخَذْتَنَا لِنَمُوتَ فِي الْبَرِّيَّةِ؟” (خروج 14: 11). لكن الرب شق البحر أمامهم، فمشوا على أرض يابسة، بينما غرق أعداؤهم في اللجج.
**في البريّة: النسيان والتمرد**
رغم كل هذه الآيات، سرعان ما نسوا عجائب الله. في برية سيناء، حيث كان المن ينزل كل صباح، والماء يتفجر من الصخرة، تذمروا على الرب. قالوا: “لَوْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا بِأَيْدِي الرَّبِّ فِي أَرْضِ مِصْرَ!” (خروج 16: 3). اشتهوا اللحم، فرفعوا أصواتهم بالشكوى، حتى أرسل الله عليهم السمان، لكن مع العقاب أيضاً.
ثم جاءت لحظة العصيان الكبرى، عندما صعد موسى إلى الجبل ليتلقى لوحي الشريعة. انتظر الشعب أياماً، فملّوا وقالوا لهارون: “اِصْنَعْ لَنَا آلِهَةً تَسِيرُ أَمَامَنَا!” (خروج 32: 1). فصنع لهم عجلاً من ذهب، وسجدوا له وضحكوا في وجه الرب. غضب الله عليهم، ولولا شفاعة موسى، لكان قد أفناهم.
**العصيان في أرض الموعد**
حتى بعد دخولهم أرض كنعان، الموعودة بالبركة، لم يتعلموا. اختلطوا بالأمم، وتعلّموا أعمالهم الشريرة. عبدوا آلهة البعل، وذبحوا أبناءهم وبناتهم للأصنام. دنسوا الأرض التي أعطاهم إياها الرب، فسلمهم لأيدي أعدائهم مراراً. لكن في كل مرة، عندما صرخوا إليه من الضيق، كان يسمع لهم.
**رحمة الله التي لا تنتهي**
رغم كل هذا، ظل الرب أميناً لعهده. نظر إلى ضعفهم، وتذكر محبته لهم. أنقذهم من أعدائهم، وأقام لهم قضاة وملوكاً أبراراً. حتى عندما سُبوا إلى بابل، بسبب خطاياهم، لم يتركهم إلى الأبد. بعد سبعين سنة، أعادهم إلى أرضهم، لأن رحمته إلى الأبد.
وهكذا، يختم المزمور 106 بتسبحة لله الذي، رغم كل تقلبات البشر، يبقى هو الملجأ والغافر. “يَا رَبُّ إِلَهَنَا، خَلِّصْنَا وَاجْمَعْنَا مِنْ بَيْنِ الأُمَمِ، لِنَحْمَدَ اسْمَكَ الْقُدُّوسَ وَنَفْتَخِرَ بِتَسْبِيحِكَ” (مزمور 106: 47).
فهو الإله الذي يعطي النعمة حتى للعصاة، ويذكر وعده رغم النسيان البشري. فلتكن تسبحته على أفواهنا إلى الأبد!