**قصة دمار سدوم وعمورة ونجاة لوط**
في الأيام التي سبقت دمار سدوم وعمورة، كان الشر قد استشرى في تلك المدن، حتى صارت خطيئتهم عظيمة أمام الرب. وكان لوط، ابن أخ إبراهيم، يسكن في سدوم، رجلًا بارًا يتألم من الفجور الذي يراه حوله يوميًا.
وفي مساء واحد، بينما كان لوط جالسًا عند بوابة المدينة، رأى رجلين غريبين يقتربان. كانت هيئتهما مهيبة، وملامحهما تفيض بالنور، إذ كانا ملاكين مُرسلين من قبل الله. قام لوط لاستقبالهما وسجد لهما باحترام، وقال: “يا سيديَّ، اذهبا إلى بيت عبدكما واغسلا أرجلكما، وبيتا الليلة، ثم تصبحان وتسيران في طريقكما.” لكن الملاكين أجاباه: “لا، بل سنبيت في الساحة.” لكن لوط ألح عليهما بشدة، فدخلا بيته.
وأعد لوط لهما وليمة، وخبزًا فطيرًا، فأكلا. وقبل أن يناموا، احتشد رجال المدينة، شبابًا وشيوخًا، حول بيت لوط، وصرخوا قائلين: “أين الرجلان اللذان دخلا إليك الليلة؟ أخرجهما إلينا لنعرفهما!” فخرج إليهم لوط، وأغلق الباب وراءه، وقال: “لا تفعلوا شرًا يا إخوتي. هذان ضيفان في بيتي، فلا تفعلوا بهما شيئًا قبيحًا. ها لي ابنتان لم تعرفا رجلاً، أخرجهما إليكم فافعلوا بهما ما يحسن في عينيكم، ولكن لا تفعلوا بهذين الرجلين شيئًا، لأنهما قد دخلا تحت ظل سقفي.”
لكن الجمهور الغاضب ازداد شراسة، واندفعوا نحو الباب ليحطموه. عندئذ مد الملاكان أيديهما، وجذبا لوط إلى الداخل، وأغلقا الباب. ثم ضربا الرجال الذين عند الباب بالعمى، صغارًا وكبارًا، حتى أعيوا عن إيجاد الباب.
ثم قال الملاكان للوط: “هل لك هنا أصهار أو أبناء أو بنات أو أي أحد في المدينة؟ أخرجهم من هذا المكان، لأننا مهلكان هذه المدينة، إذ قد عظم صراخ أهلها أمام الرب، فأرسلنا لنهلكها.” فخرج لوط وكلم أصهاره الذين كانوا سيتزوجون بناته، وقال: “قوموا اخرجوا من هذا المكان، لأن الرب مهلك المدينة!” لكن أصهاره ظنوا أنه يمزح، فلم يهتموا بكلامه.
وعند الفجر، أسرع الملاكان بالوط قائلين: “قم، خذ امرأتك وابنتيك الموجودتين هنا لئلا تهلكوا بذنب المدينة.” ولما توانى لوط، أمسك الملاكان بيده ويد امرأته ويدي ابنتيه، لأن الرب شفقه عليه، وأخرجوه خارج المدينة. وقالا له: “اهرب لحياتك! لا تنظر إلى ورائك، ولا تقف في كل الدائرة. اهرب إلى الجبل لئلا تهلك!”
فقال لوط للملاكين: “يا سيدي، لا. قد وجد عبدك نعمة في عينيك، وعظمت رحمتك التي صنعتها معي بإحياء نفسي. لكني لا أستطيع الهروب إلى الجبل لئلا يدركني الشر وأموت. هوذا هذه المدينة قريبة للهرب إليها، وهي صغيرة. دعني أهرب إليها — أليست صغيرة؟ — فتحيا نفسي.”
فقال له الملاك: “ها أنا قد قبلت طلبك في هذا الأمر أيضًا، فلا أهدم المدينة التي تكلمت عنها. أسرع واهرب إلى هناك، لأني لا أستطيع أن أفعل شيئًا حتى تصير هناك.” لذلك دُعيت المدينة “صوغر.”
وكانت الشمس قد طلعت على الأرض حين دخل لوط صوغر. فأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتًا ونارًا من السماء من عند الرب، وقلب تلك المدن وكل الدائرة، وكل سكان المدن ونبات الأرض. ولكن امرأة لوط نظرت من ورائه، فصارت عمود ملح.
وبكَّر إبراهيم في الصباح إلى المكان الذي كان قد وقف فيه أمام الرب، فنظر نحو سدوم وعمورة، وإذا دخان يصعد من الأرض كدخان أتون. وهكذا أهلك الله المدن التي سكن فيها لوط، لكنه ذكر إبراهيم، فأنقذ لوطًا من وسط الهلاك.
أما لوط وابنتاه، فقد خافا أن يبقيا في صوغر، فصعدا إلى الجبل وسكنا في مغارة. وهناك، حدثت قصة أخرى، لكنها تبقى جزءًا من تدابير الله العجيبة في حياة من يختارهم لنعمته وسط دينونته.
وهكذا نرى أن الرب عادل في دينونته، ورحيم في خلاصه، يحفظ الأبرار من الغضب الآتي، لكنه لا يترك الشر بلا عقاب.