الكتاب المقدس

قصة سنة اليوبيل عهد الحرية والرحمة

**قصة سنة اليوبيل: عهد الحرية والرحمة**

في تلك الأيام، عندما كان بنو إسرائيل يسيرون في البرية، أوصى الرب موسى على جبل سيناء بأمر عظيم يخص الأرض وشعبها. وكانت هذه الوصية فريدة من نوعها، تعلن عن رحمة الله وعدله ورعايته للفقراء والعبيد، وتذكيرًا دائمًا بأن الأرض ملك للرب، وأن البشر مستأجرون عليها.

### **الراحة للأرض**

قال الرب لموسى: “كلم بني إسرائيل وقُل لهم: متى دخلتم الأرض التي أعطيكم إياها، فلتستريح الأرض سبتًا للرب. ست سنوات تزرعون حقولكم، وتقطعون كرومكم، وتجمعون غلاتها. ولكن في السنة السابعة، تكون للأرض سبت عطلة، سبتًا للرب. لا تزرعوا حقولكم، ولا تقطعوا كرومكم. لا تحصدوا ما ينبت من نفسه، ولا تجنوا عنب كرومكم غير المقطوعة. فتكون السنة سنة راحة للأرض.”

ففهم الشعب أن هذه الوصية تذكيرٌ بأن الأرض ليست مِلكًا لهم، بل هي للرب. فهو الذي يعطي الغلة، وهو الذي يأمرها أن تستريح. وفي هذه السنة، يأكل الجميع مما تُنتجه الأرض من نفسها، الغني والفقير، العبد والحر، بل والبهائم والوحوش البرية. كلهم شركاء في نعمة الله.

### **سنة اليوبيل المقدسة**

ثم أعلن الرب أمرًا أعظم: “وتحصون لكم سبعة سبوت سنين، سبع سنين سبع مرات، فتكون لكم أيام السبعة السبوت السنوات تسعًا وأربعين سنة. ثم تُعلنون في الشهر السابع، في اليوم العاشر من الشهر، في يوم الكفارة، تُعلنون بالأبواق في جميع أرضكم. وتقدسون السنة الخمسين، وتنادون بالحرية في الأرض لجميع سكانها. تكون لكم يوبيلًا، وترجعون كل واحد إلى ملكه، وكل واحد إلى عشيرته ترجعون.”

فكانت سنة اليوبيل سنة حريةٍ عظيمة. فكل عبدٍ عبراني يُعتق، وكل أرضٍ مُباعة تعود إلى أصحابها الأصليين. لأن الرب قال: “لا تُباع الأرض بَتةً، لأن الأرض لي، وأنتم غرباء ونزلاء عندي.” فكانت هذه الوصية تذكيرًا بأن الله هو المالك الحقيقي، وأن البشر لا يملكون إلا حق الانتفاع بما أعطاهم الرب.

### **رحمة الله في اليوبيل**

وفي تلك السنة، كان الأغنياء يُطلقون عبيدهم، والمُدينون يُطلقون من ديونهم، والأراضي تعود إلى بيوت آبائها. كان اليوبيل يمنع تراكم الثروات في أيدي قلة، ويحفظ العدل بين الشعب. فلم يكن يُسمح لأحد أن يستغل أخاه، لأن الرب هو الذي افتداهم من أرض مصر، وأرادهم أن يعيشوا في حريةٍ ومساواة.

وكانت الأبواق تُدَوّي في اليوم العاشر من الشهر السابع، في يوم الكفارة، معلنة بدء سنة اليوبيل. فيفرح الجميع، ويرجع كل إنسان إلى ميراثه، ويُطلق كل عبدٍ إلى أهله. وكانت هذه السنة ترمز إلى رحمة الله العظيمة، التي تمسح الخطايا، وتعيد كل شيءٍ إلى حالته الأصلية، كما يريد الرب.

### **درسٌ للأجيال**

وهكذا علّم الرب شعبه أن يثقوا به، فلا يخافوا من أن يتركوا أراضيهم بلا زراعة في السنة السابعة، ولا أن يخسروا أموالهم في سنة اليوبيل. فقد وعدهم قائلًا: “فإن قلتم: ماذا نأكل في السنة السابعة؟ هوذا آمر ببركتي لكم في السنة السادسة، فتخرج غلة لثلاث سنين.”

فكانت سنة اليوبيل تذكيرًا دائمًا بأن الله هو الرزاق، وهو الذي يُعيد كل شيءٍ إلى نصابه. فكما يُحرر العبيد، ويُعيد الأرض إلى ملاكها، فإنه يعد أيضًا بتحرير البشر من خطاياهم، وإعادتهم إلى شركته إلى الأبد.

وهكذا عاش بنو إسرائيل بهذا الرجاء، ينتظرون دائمًا صوت البوق العظيم، الذي سينادي بالحرية الكاملة، حين يُتم الرب وعده الأعظم.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *