**قصة اضطهاد بني إسرائيل في مصر**
في تلك الأيام، بعد أن انتقل يعقوب وأبناؤه الاثنا عشر إلى أرض مصر، استقر بنو إسرائيل في أرض جاسان، حيث منحهم يوسف الصديق، الحاكم الثاني لمصر بعد الفرعون، أفضل الأراضي وأخصبها. وكانوا يعيشون في سلام وازدهار، يتكاثرون ويصيرون أقوياء جدًا، حتى ملأوا الأرض.
ولكن الزمان دار، وجاء ملك جديد على مصر، ملكٌ لم يكن يعرف يوسف ولا الخير الذي عمله لمصر أيام المجاعة. فنظر هذا الفرعون إلى بني إسرائيل فرأى أنهم كثرٌ جدًا، وأقوياء، فخاف في قلبه وقال لمستشاريه: **”هوذا بنو إسرائيل قد صاروا أكثر وأعظم منا قوة! تعالوا نتحيل عليهم لئلا ينموا أكثر، فإذا حربٌ ما، انضموا إلى أعدائنا وحاربونا وصعدوا من الأرض!”**
فاستعبد المصريون بني إسرائيل بقسوة، ووضعوا عليهم رؤساء تسخير ليكدحوهم في الأعمال الشاقة. فبنوا لفرعون مدينتي مخازن، فيثوم ورعمسيس، من الطوب واللبن. وكان العمال المصريون يسومونهم سوء العذاب، فيجبرونهم على حمل الأحجار الثقيلة وحفر الأتربة تحت لهيب الشمس الحارقة. وكانوا يضربونهم بالسياط إذا توقفوا عن العمل لحظة، حتى سالت دماؤهم على الأرض.
ولكن كلما زاد اضطهاد المصريين لهم، كلما نما بنو إسرائيل وانتشروا أكثر. فكانوا يتكاثرون كالعشب في الحقل، رغم العبودية والآلام. فاضطرب قلب فرعون وقال: **”لا بد من وسيلة أقسى لوقف نموهم!”**
فاستدعى الملك القابلتين العبرانيتين، شفرة وفوعا، وقال لهما بلهجة آمرة: **”عندما تولدان النساء العبرانيات، انظرنَ إلى جنس المولود. إذا كان ذكرًا فاقتلاه، وإن كان أنثى فاستحيينها!”**
لكن القابلتين كانتا تتقيان الله، ولم تفعلا كما أمرهما ملك مصر، بل تركا الذكور يعيشون. فلما سألهما فرعون: **”لماذا لم تمتثلان لأمري؟”** أجابتا بحكمة: **”النساء العبرانيات ليس كالمصريات، إنهن قويات يلدن بسرعة قبل أن نصل إليهن!”**
فأدرك فرعون أن حيلته لم تنجح، فصاح بغضب: **”إذًا، ليُلقِ كل شعب المصريين كل ذكرٍ يولد لبني إسرائيل في النهر! ولكن ليحفظوا البنات أحياء!”**
وهكذا أصدر الفرعون مرسومًا رهيبًا: كل طفل ذكر عبراني يجب أن يُرمى في مياه النيل. فعم الحزن بيوت بني إسرائيل، وسمع في كل خيمة عويل الأمهات اللواتي انتزعت منهن أطفالهن. وكانت الأرض تئن من الظلم، والدماء البريئة تسيل في المياه.
لكن في وسط هذا الظلام، كان الله يهيئ خلاصًا عظيمًا… لأن طفلاً سيولد، طفلاً ستتحدى أمه أوامر الفرعون، وتخبئه عن أعين الجلادين. هذا الطفل سيكون موسى، الذي سينقذ شعبه من العبودية.
وهكذا، في ظل القهر والاضطهاد، كانت يد الله تعمل في الخفاء، تُعدّ لشعبها طريق الخلاص، لأن الرب لا ينسى وعوده أبدًا.