**قصة النسرين والكرمة: رؤيا حزقيال الإصحاح 17**
في أيام السبي البابلي، حين كان شعب إسرائيل مشتتًا في البلاد البعيدة، وأورشليم تحت حكم الأقوياء، تكلم الرب بالنبي حزقيال بكلمات مليئة بالرموز والأسرار. وفي يوم من الأيام، جاءته رسالة من السماء تحمل قصة عجيبة، قصة نسرين وكرمة صغيرة، تحمل في طياتها تحذيرًا ووعيدًا، ولكن أيضًا رجاءً وميعادًا.
**النسر الكبير والأرز العالي**
رأى حزقيال في الرؤيا نسرًا عظيمًا، بجناحين واسعين، ورأس مكلل بالريش الملون، قويًا وشامخًا. هذا النسر طار إلى لبنان، وفي مخالبه قبض على فرع من أرز عالٍ، فاقتلعه من أعلى أغصانه وحمله إلى أرض التجارة، إلى مدينة كبيرة ومليئة بالبضائع. ثم أخذ من بذور الأرض وزرعها في تربة خصبة، وجعلها كشجرة صفصاف تنمو بجداول المياه.
هذا النسر العظيم هو ملك بابل، نبوخذ نصر، الذي جاء إلى أورشليم (التي يمثلها الأرز اللبناني) وأخذ الملك يهوياكين (الفرع الأعلى) وسباه إلى بابل. ثم عين نبوخذ نصر ملكًا جديدًا من نسل داود، هو صدقيا، وزرعه في الأرض كشجرة صغيرة، وأقسم له بالولاء.
**الكرمة الخائنة والنسر الثاني**
لكن الكرمة الصغيرة، التي هي صدقيا، لم تبقَ أمينة للنسر العظيم الذي غرسها. بل مدت جذورها نحو نسر آخر، أصغر منه، جاء من مصر، طالبةً منه العون والحماية. أرسلت الكرمة براعمها نحو هذا النسر الثاني، ظنًا منها أنه سينقذها من يد النسر الأول.
وهنا ارتفع صوت الرب غاضبًا: “هل تنجح هذه الكرمة؟ ألا إن النسر الأول سوف يقلعها من جذورها، ويقطع ثمرها ويجعلها تذبل! لن تحتاج إلى ذراع قوية أو جيش عظيم لاقتلاعها، بل ستهلك بسهولة كالنبتة الضعيفة!”
فقد خان صدقيا عهده مع نبوخذ نصر وتحالف مع فرعون مصر، ظنًا منه أن هذا سينقذه. ولكن الرب سمح بأن يعاقب صدقيا على خيانته، فجاءت جيوش بابل وحاصرت أورشليم، ودمرتها تدميرًا شديدًا. أُخذ صدقيا أسيرًا، وفُقئت عيناه، ومات أولاده أمامه، وسبي الشعب مرة أخرى.
**الوعد بالغصن الأمين**
لكن القصة لم تنتهِ هنا. فإن الرب، رغم غضبه من خيانة شعبه، لم ينسَ وعوده. فتكلم مرة أخرى قائلًا:
“أنا آخذ غصنًا من قمة الأرز العالي، وأغرسه على جبل إسرائيل المرتفع. فينمو ويصير شجرة عظيمة، ويحتمي تحته كل طير السماء، وكل من في الأرض يجد ظله أمينًا.”
هذا الغصن هو المسيا المنتظر، الذي سيأتي من نسل داود، ويحكم بالعدل. لن يكون كصدقيا الخائن، بل سيكون ملكًا أمينًا، يزرعه الرب بنفسه، فيجعل الأمة من جديد شجرة عظيمة، يرجع إليها الجميع.
**ختام الرؤيا**
فهم حزقيال أن الرب يريد أن يعلم شعبه درسًا: لا خلاص بالتحالف مع القوى الأرضية، ولا نجاة بالخيانة والغدر. الوحيد الأمين هو الرب، وهو الذي سيرسل مخلّصًا حقيقيًا، لا يفشل ولا يخذل.
وهكذا، سجل النبي الكلمات، وعلم الشعب أن كل من يتكل على البشر سيسقط، أما من ينتظر الرب، فسيرى مجده، حين تُغرس الشجرة الجديدة، شجرة الملكوت التي لا تقتلع إلى الأبد.