الكتاب المقدس

رؤيا زكريا المنارة والزيتونتان

**رؤيا زكريا: المنارة والزيتونتان**

في السنة الثانية من حكم داريوس الملك، وبينما كان النبي زكريا مستغرقًا في الصلاة والتأمل، أرسل الرب إليه ملاكًا يحمل رسالةً عظيمة. كان زكريا في تلك الأيام يشعر بثقل المسؤولية، إذ كان الشعب العائد من السبي يعاني من التحديات في إعادة بناء الهيكل وترميم أورشليم. وفي لحظةٍ سماوية، انفتحت عين زكريا على رؤيا إلهية عجيبة.

**المنارة الذهبية**

رأى زكريا منارةً مصنوعةً من ذهب خالص، تتلألأ كالشمس في كبد السماء. كانت هذه المنارة فريدة في تصميمها، إذ كان لها وعاء علوي كبير يتسع لكميةٍ وفيرةٍ من الزيت، ومن هذا الوعاء تفرعت سبعة مصابيح، كل مصباح له سبع فتحات، كأنها عيونٌ تنظر إلى كل الجهات. وكانت النار متقدةً في المصابيح دون توقف، تضيء المكان بنورٍ بهيٍّ يذكر ببهاء مجد الرب.

ولكن ما أدهش زكريا أكثر هو ما رأى بجانب المنارة: **غصنان زيتون**، واحدٌ عن يمين الوعاء، والآخر عن يساره. وكانت هاتان الزيتونتان تدران زيتًا ذهبيًا نقيًا، يسيل بغزارةٍ إلى الوعاء دون توقف، كأنه نهرٌ من نعمة الله التي لا تنضب. فسأل زكريا الملاك قائلًا: “يا سيدي، ما هذه المنارة؟ وما هاتان الزيتونتان اللتان تدران الزيت؟”

**كلمة الرب لزكريا**

فأجاب الملاك: “أما تعلم ما هذان؟” فقال زكريا: “لا، يا سيدي.” فقال الملاك: “هذه هي كلمة الرب إلى زربابل، قائلةً: لا بالقدرة ولا بالقوة، بل بروحي، يقول رب الجنود.”

ثم تابع الملاك موضحًا: “من أنت أيها الجبل العظيم؟ أمام زربابل تصير سهلًا! وهو يخرج الحجر الأساس مزينًا بالهتافات: نعمةٌ، نعمةٌ له!”

فهم زكريا أن الرب يتكلم عن **زربابل**، حاكم يهوذا، الذي كان يقود الشعب في بناء الهيكل. فبالرغم من كل العقبات — الجبال الروحية والجسدية التي وقفت في طريقهم — فإن الله سيجعلها سهلةً كالسهل المنبسط. فليس بقوة البشر ولا بذكائهم، بل **بروح الرب**، سيتم العمل العظيم.

**سر الزيتونتين**

ثم كشف الملاك لزكريا سر الزيتونتين، قائلًا: “هاتان هما ابنا الزيت اللذان يقفان لدى رب كل الأرض.” ففهم النبي أن هاتين الزيتونتين ترمزان إلى **يشوع الكاهن العظيم** و**زربابل الحاكم**، اللذين كانا قائدين روحيين وسياسيين للشعب. فبالرغم من ضعفهما البشري، فإنهما كانا وسيلتين لنعمة الله، كالزيت الذي يضيء المنارة دون انقطاع.

**تأملات في الرؤيا**

غادر زكريا الرؤيا وهو مملوءٌ رجاءً. لقد فهم أن الله لا يعتمد على قوة البشر، بل على روحه القدوس. فالمنارة ترمز إلى **شهادة إسرائيل** بين الأمم، والزيت هو **نعمة الله التي تحفظها**. أما الزيتونتان، فهما رمز للقيادة التي تسندها السماء.

وهكذا، خرج النبي ليبشر الشعب بأن العمل العظيم — بناء الهيكل — سيتم **ليس بالجهد البشري، بل بقوة الله**. فكما أن المنارة لا تنطفئ لأن الزيت لا ينقطع، هكذا مشيئة الله لا تُقاوم، وعمله لا يفشل.

**ختام الرؤيا**

وفي النهاية، سمع زكريا صوت الرب يقول: “يد زربابل قد أسست هذا البيت، ويده تكمله. فتعلمون أن رب الجنود أرسلني إليكم. لأن من احتقر الأيام الصغرى، يفرح ويرى حجر القصد في يد زربابل.”

فتبارك الرب الذي يعلن أسرار ملكوته لأنبيائه، ويثبت رجاء شعبه بروحه القدوس!

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *