الكتاب المقدس

رؤيا يوحنا: عرش الله والمجلس السماوي

**الرؤيا الإلهية: عرش الله في السماء**

في اليوم الذي أراد فيه الرب أن يكشف لعبده يوحنا أسرار السماء، وجد الرسول نفسه في لحظة روحية عظيمة. فبينما كان منفياً في جزيرة بطمس، سمع صوتاً كالبوق قوياً يقول له: “اصْعَدْ إِلَى هُنَا فَأُرِيَكَ مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ هذَا!” فانفتحت أبواب السماء أمام عينيه، وفي الحال، وجد يوحنا نفسه ممتداً بروحه إلى العرش الإلهي.

وما إن ارتفع حتى رأى مشهداً مهيباً يفوق كل وصف. أمامه باب مفتوح في السماء، ومنه ينبعث نور مجيد لا يُحتمل لعين بشرية. ثم سمع ذلك الصوت مرة أخرى يدعوه: “تعالَ، وسأريك ما يجب أن يحدث بعد هذا.” فدخل يوحنا في الروح إلى السماء، وإذا به يقف أمام مشهد لم يره من قبل قط.

**العرش والمجلس السماوي**

في وسط السماء، رأى يوحنا عرشاً عظيماً، لا يُقاس بهيبته شيء. كان العرش يشع بأنوار متلألئة كالجواهر، كأنه مرصع بالياقوت والزمرد، وحوله قوس قزح يلمع كالزمرد الأخضر. وعلى العرش جلس الله نفسه، جلاله يملأ كل المكان. لم يستطع يوحنا أن يرى وجهه، لأن النور الإلهي كان كالنار المتوهجة، لكنه شعر بحضور قدوس عظيم يملأ الكون كله.

وحول العرش، رأى أربعة وعشرين عرشاً أصغر، وعلى هذه العروش جلس أربعة وعشرون شيخاً، يلبسون ثياباً بيضاً، وعلى رؤوسهم أكاليل من ذهب. كان هؤلاء الشيوخ يمثلون كل شعب الله، قديسي العهدين القديم والجديد، الذين انتصروا وتمجدوا مع المسيح. وكانوا يسبحون الله دون توقف، ويرمون بأكاليلهم أمام العرش قائلين: “مستحق أنت أيها الرب أن تأخذ المجد والكرامة والقدرة، لأنك أنت خلقت كل الأشياء، وهي بإرادتك كانت وخلقت.”

**الكائنات الحية الأربعة**

وفي وسط العرش وحوله، رأى يوحنا أربعة كائنات حية، مملوءة عيوناً من الأمام والخلف. كان أولها يشبه الأسد، والثاني يشبه العجل، والثالث له وجه إنسان، والرابع يشبه النسر الطائر. وكانت هذه الكائنات لها ستة أجنحة، ومغطاة بالعيون من كل جانب، فلا يخفى عنها شيء. ولم تتوقف عن التسبيح ليلاً ونهاراً، قائلة: “قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، الرَّبُّ الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي كَانَ وَالْكَائِنُ وَالَّذِي يَأْتِي.”

وكلما سبحت هذه الكائنات، خرّ الشيوخ الأربعة والعشرون على وجوههم وسجدوا للجالس على العرش، وعبدوه قائلين: “آمين! ليكن المجد والبركة والحكمة والشكر والكرامة والقوة والعزة لإلهنا إلى أبد الآبدين!”

**البروق والرعود والأصوات**

ومن العرش كانت تخرج بروق ورعود وأصوات، وأمامه سبعة مصابيح نار متقدة، هي سبعة أرواح الله، تتحرك في كل الأرض لتنفيذ مشيئته. وأيضاً، كان هناك بحر زجاجي كالبلور، صافٍ كالسماء في أصفى أيامها، يمثل قداسة الله التي لا يعكر صفوها شيء.

وفي هذا المشهد المهيب، شعر يوحنا بالرهبة والدهشة معاً. فالله، في عظمته، كان محاطاً بكل الخليقة التي تسبحه بلا توقف. الكائنات الحية تمثل كل مخلوقات الأرض: الأسد لقوة الملوك، والعجل للخدمة والتضحية، والإنسان للعقل والحكمة، والنسر للسرعة والعلو. أما الشيوخ، فكانوا رمزاً لكنيسة الله المكتملة، التي تعترف بمجده وتخضع لسلطانه.

**دينونة الله وعظمته**

ثم رأى يوحنا في يد الجالس على العرش سفراً مختوماً بسبعة ختوم، لا يستطيع أحد في السماء ولا على الأرض أن يفتحه أو ينظر إليه. فبكى يوحنا بكاءً مراً، لأنه لم يجد من هو مستحق لفتح السفر. لكن أحد الشيوخ قال له: “لا تبكِ! هوذا قد غلب الأسد الذي من سبط يهوذا، أصل داود، ليفتح السفر ويفك ختومه السبعة.”

وهنا، أدرك يوحنا أن المسيح، الحمل المذبوح منذ تأسيس العالم، هو الوحيد المستحق أن يفتح السفر ويفتح دينونة الله على الأرض. فالمشهد لم يكن مجرد رؤية مجيدة، بل كان تحضيراً لانطلاق الأحداث العظيمة التي ستغير مصير العالم.

وهكذا، وقف يوحنا في خشوع، ينتظر ما سيكشفه الله له بعد ذلك، وهو يدرك أن كل ما يراه هو جزء من خطة الله العظيمة لتحقيق العدل والنصر النهائي للقديسين.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *