الكتاب المقدس

قصة المحبة العظيمة: تأمل في رسالة كورنثوس الأولى 13

**قصة المحبة العظيمة: تأمل في رسالة كورنثوس الأولى 13**

في أيامٍ خلت، في مدينة كورنثوس العظيمة، حيث ازدحمت الأسواق بالباعة وتناثرت أصوات البحارة القادمين من الموانئ البعيدة، اجتمع المؤمنون في بيتٍ متواضع ليسمعوا كلمة الرب. وكان بينهم رجلٌ حكيم اسمه بولس، رسول المسيح، الذي حمل في قلبه رسالةً سماوية عن سرّ المحبة التي تفوق كل شيء.

بدأ بولس يتحدث بصوته الهادئ العميق، وكلماته تنساب كالنهر العذب:

**”لو كنتُ أتكلم بألسنة الناس والملائكة، ولكن ليس لي محبة، فقد صرتُ نحاسًا يطن أو صنجًا يرن.”**

تخيل الحاضرون أنفسهم واقفين في هيكلٍ عظيم، حيث يرتفع صوت الأجراس والصنوج، لكنها أصواتٌ بلا روح، بلا معنى. فمهما بلغت بلاغة الإنسان أو عظمت موهبته، فإنها تصير كالريح العابرة إن لم تكن المحبة هي أساسها.

ثم أردف بولس قائلًا:

**”وإن كانت لي موهبة النبوة، وأعلم جميع الأسرار وكل علم، وإن كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال، ولكن ليس لي محبة، فلستُ شيئًا.”**

تذكر الجميع قول الرب يسوع عن الإيمان الذي يُنقل الجبال، لكن بولس أوضح أن حتى هذه القوة العظيمة تصير باطلة إذا لم تكن المحبة هي الدافع. فتوقف أحد الشبان وسأل: “يا معلم، كيف تكون المحبة بهذه الأهمية؟”

ابتسم بولس وأجاب: **”وإن أطعمت كل أموالي، وإن سلمت جسدي حتى أحترق، ولكن ليس لي محبة، فلا أنتفع شيئًا.”**

صمت الحاضرون، فقد رأوا في كلماته صورةً للشخص الذي يبذل كل شيء من أجل الظهور بمظهر التقوى، لكن قلبه فارغ من المحبة الحقيقية. عندها بدأ بولس يشرح لهم جوهر المحبة السماوية، فوصفها بكلماتٍ تنفذ إلى الأعماق:

**”المحبة تتأنى وترفق. المحبة لا تحسد. المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ.”**

تخيلوا شخصًا يقف بجانب جاره في الضيق، ينتظر بصبر، لا يتذمر، ولا يحسد الآخرين على ما أعطاهم الرب. فهذه المحبة لا تبحث عن المجد الباطل، بل تفرح بالحق.

ثم تابع: **”لا تقبح ولا تطلب ما لنفسها. ولا تحتدّ ولا تظن السوء.”**

هنا تنهدت امرأة عجوز في المجمع، فقد تذكرت كيف أن المحبة الحقيقية ترفض أن تسيء إلى الآخرين، بل تظل تثق وتأمل في الخير، حتى في أصعب الظروف.

وأكمل بولس: **”لا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق. وتحتمل كل شيء، وتصدق كل شيء، وترجو كل شيء، وتصبر على كل شيء.”**

ارتسمت في أذهانهم صورةٌ للمسيح نفسه، الذي احتمل الصليب من أجل محبته للبشر، الذي غفر لجلاديه، والذي يبقى أمينًا حتى النهاية.

ثم ختم بولس كلامه بقوله: **”المحبة لا تسقط أبدًا.”**

رفع عينيه نحو السماء، وكأنه يرى النور الأبدي، ثم قال: **”أما النبوات فستبطل، والألسنة فستنتهي، والعلم فسيبطل… أما الآن فيثبت الإيمان والرجاء والمحبة، هذه الثلاثة، ولكن أعظمهن المحبة.”**

ساد الصمت المكان، وشعر الجميع أن كلمات بولس لم تكن مجرد تعاليم، بل نفحةٌ من روح الله. فقد أدركوا أن المحبة هي الطريق الأسمى، هي الرباط الكامل، وهي العطية التي لا تفنى.

ومن ذلك اليوم، صار المؤمنون في كورنثوس يسعون إلى أن يحبوا كما أحبهم المسيح، لأنهم عرفوا أن **المحبة هي النور الذي يضيء إلى الأبد**.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *