**قصة مزمور 139: في حضرة الله العليم الخبير**
في قديم الأيام، كان هناك رجل تقي يدعى ألياقيم، عاش في مدينة صغيرة عند سفوح الجبال. كان ألياقيم رجلاً محباً لله، يتأمل في عجائب الخليقة ويبحث عن معرفة الرب بعمق. وفي إحدى الليالي، بينما كان جالساً تحت سماء مرصعة بالنجوم، شعر بقلب يشتاق إلى فهم محبة الله وإدراك حكمته التي لا تُسبر.
ففتح درجاً قديماً وأخرج منه مخطوطة مزمور داود النبي، المزمور التاسع بعد المائة. بدأ يقرأ بصوت خافت:
**”يَا رَبُّ، قَدِ اخْتَبَرْتَنِي وَعَرَفْتَنِي. أَنْتَ عَرَفْتَ جُلُوسِي وَقِيَامِي. فَهِمْتَ فِكْرِي مِنْ بَعِيد.”**
وبينما كانت الكلمات تتردد في جنبات الغرفة، بدأ ألياقيم يشعر بحضور الله القريب، كأن يداً حانية تلامس قلبه. أغمض عينيه وتخيل كيف أن الله يعرف كل تفاصيل حياته، حتى تلك الأفكار التي لم يجرؤ على البوح بها لأحد.
**”طَرِيقِي وَمَرْبَضِي ذَرَّيْتَ، وَكُلَّ طُرُقِي عَرَفْتَ.”**
تذكر ألياقيم كيف كان يهرب في صغره إلى الجبال حين يشعر بالحزن، وكيف كان يجد عزاءه في التأمل بين الأشجار. والآن أدرك أن الله كان يراه في كل تلك اللحظات، يعرف دموعه قبل أن تسقط، وهمومه قبل أن تتكون في قلبه.
ثم تابع القراءة:
**”لأَنَّهُ لَيْسَ كَلِمَةٌ فِي لِسَانِي إِلاَّ وَأَنْتَ يَا رَبُّ عَرَفْتَهَا كُلَّهَا.”**
ارتعدت يداه وهو يتذكر تلك المرات التي تكلم فيها بكلمات قاسية أو تذمر في سرّه. لكن بدلاً من الخوف، غمرته رحمة الله التي تقبلته كما هو، وتطهّره بغفرانها. شعر وكأن نوراً إلهياً يغسل أعماقه، فيكشف كل زاوية في قلبه دون خجل، لأن محبة الله أكبر من كل خطيئة.
ثم وصل إلى الآيات التي تتكلم عن عظمة الخليقة:
**”لأَنَّكَ أَنْتَ اقْتَنَيْتَ كُلْيَتَيَّ. نَسَجْتَنِي فِي بَطْنِ أُمِّي. أَحْمَدُكَ مِنْ أَجْلِ أَنِّي قَدِ امْتَزْتُ عَجَباً.”**
تخيل ألياقيم يد الله تشكله في رحم أمه، خيطاً بخيط، كما يحيك الصانع أعظم الثياب. أدرك أن حياته ليست صدفة، بل هي قصيدة كتبها الله قبل أن يرى النور. نظر إلى يديه المتجعدتين بمرور السنين، وفهم أن كل تجاعيدها تحكي قصة إلهية.
لكن الآيات التالية جعلته يحني رأسه بخشوع:
**”أَيْنَ أَذْهَبُ مِنْ رُوحِكَ؟ وَمِنْ وَجْهِكَ أَيْنَ أَهْرُبُ؟ إِنْ صَعِدْتُ إِلَى السَّمَاوَاتِ فَأَنْتَ هُنَاكَ، وَإِنْ فَرَشْتُ فِي الْهَاوِيَةِ فَهَا أَنْتَ.”**
ضحك ألياقيم في نفسه، متذكراً تلك الأيام التي حاول فيها الهروب من وجه الله حين أخطأ. لكن الآن فهم أنه لا مكان يختبئ فيه من محبة الرب. حتى في أعماق الظلام، يد الله تهديه.
وانتهى المزمور بكلمات ملتهبة:
**”اِمْتَحِنْنِي يَا اللهُ وَاعْرِفْ قَلْبِي. اخْتَبِرْنِي وَاعْرِفْ أَفْكَارِي. وَانْظُرْ إِنْ كَانَ فِيَّ طَرِيقٌ وَبِيٌّ، وَاهْدِنِي طَرِيقاً أَبَدِيّاً.”**
سقطت دموع ألياقيم على المخطوطة وهو يهمس: “نعم يا رب، اختبر قلبي وطهرني. فأنت وحدك تعرفني أكثر من نفسي.”
وفي تلك الليلة، لم يعد ألياقيم يشعر بالوحدة. عرف أن الله معه في كل خطوة، في كل نفس، في كل فكرة. نام مطمئناً، لأن الذي صنعه لا ينساه، والذي يحبه لا يتركه.
وهكذا، صار مزمور 139 نوراً في دربه، يذكّره دائماً بأنه محفور في كفّ الإله، ولا شيء يُخفى من عينيه.