الكتاب المقدس

رؤيا النبي حبقوق وعدل الرب

**قصة النبي حبقوق ورؤيته العظيمة**

في الأيام التي سبقت سقوط أورشليم، عندما كان الظلم يملأ الأرض والشرور تتكاثر، وقف النبي حبقوق بين الشعب متسائلاً: “حتى متى يا رب أدعو وأنت لا تسمع؟ حتى متى أصرخ إليك من الظلم وأنت لا تخلص؟” (حبقوق 1: 2). كان قلبه مثقلاً برؤية الأشرار يطوّقون الصدّيقين، والقضاء مُعوَّجٌ في كل مكان.

لكن الرب لم يترك عبده حبقوق في حيرته. فأجابه: “اكتب الرؤيا وانقشها على الألواح لكي يركض قارئها، لأن الرؤيا بعد إلى الميعاد وفي النهاية تتكلم ولا تكذب. إن توانت فانتظرها لأنها ستأتي إتياناً ولا تتأخر” (حبقوق 2: 2-3).

### **الرؤيا الإلهية والوعد بالعدل**

جلس حبقوق في خلوته، وأخذ لوحاً من الطين وقلمًا، وكتب كل ما أوحى به الرب إليه. ثم بدأت الرؤيا تتجسد أمام عينيه: رأى أن الأشرار، مهما عَظُمَ سلطانهم وتشامخت قلوبهم، فإن نهايتهم ستكون الهلاك. لأن الرب لا يترك الظالمين بلا عقاب.

ورأى حبقوق في الرؤيا خمسة ويلات ستأتي على المتكبرين والظالمين:

1. **ويلٌ للجشع**: رأى رجلاً يجمع الثروات بغير حق، ويبني بيته بالدماء والظلم. لكن الرب قال: “أليس هوذا من عند رب الجنود أن الشعوب يتعبون للنار والأمم يُجهَدون باطلاً؟” (حبقوق 2: 13). فكل ما بنوه سيكون رماداً، وكل ما جمعوه سيزول.

2. **ويلٌ للسكيرين**: رأى قوماً يسكرون من الخمر، ويُخزون جيرانهم. لكنهم سيشربون بدورهم كأس الغضب الإلهي، ويُفضَحون في عارهم.

3. **ويلٌ للمتكبرين**: رأى رجلاً يقول للخشب: “استيقظ!” وللحجر الأصم: “انهض!” وهو لا يرى أن الله هو الذي يمنح الحياة. فكيف يعبدون أصناماً لا تنطق ولا تتحرك؟

4. **ويلٌ للعنف**: رأى أمماً تقوم على الحرب والدمار، لكن الرب قال: “لأن الأرض تمتلئ من معرفة مجد الرب كما تغطي المياه البحر” (حبقوق 2: 14). فسيأتي اليوم الذي تزول فيه كل مملكة شريرة، ويُقام ملك العدل.

5. **ويلٌ للأوثان**: رأى صنماً مغشىً بالذهب والفضة، لكنه بلا روح. فكيف يعبد البشر ما صنعته أيديهم؟ أما الرب فهو في هيكل قدسه، فلتسكت كل الأرض أمامه!

### **ختام الرؤيا وتسبحة الإيمان**

عندما انتهت الرؤيا، ارتعد قلب حبقوق، لكنه امتلأ إيماناً. فرفع صوته بتسبحة عظيمة، قائلاً:

“مع أن التينة لا تزهر، ولا يكون حصاد في الكروم، وينقطع عمل الزيتون، وتخيب الحقول من القمح… فإني مع ذلك أبتهج بالرب وأفرح بإله خلاصي” (حبقوق 3: 17-18).

فقد فهم أن الرب أمين، وأن كل وعوده ستتم في وقتها. فالأشرار سيسقطون، والصديقون بالإيمان يحياون. وهكذا ختم حبقوق رؤيته بتسليم كامل لمشيئة الله، وانتظر بثبات مجيء العدل الإلهي.

**الخلاصة**

تعلمنا قصة حبقوق أن الله لا يتغاضى عن الظلم، لكنه يعمل بحسب توقيته. فالأمانة والانتظار بثقة هما سر القوة. وكما قال الرب: “البار بإيمانه يحيا” (حبقوق 2: 4). فليتكل كل مؤمن على وعد الله، حتى وإن تأخر، لأنه سيأتي بالتأكيد.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *