**لقاء عند البئر: قصة المرأة السامرية والإله الذي عطش إليها**
في يوم من الأيام، بينما كانت الشمس تذوب في السماء ككرة نار متوهجة، قرر يسوع أن يترك اليهودية ويتجه نحو الجليل. لكن الطريق لم يكن مباشرًا؛ فقد اختار أن يعبر عبر السامرة، تلك المنطقة التي يتجنبها اليهود بسبب العداء القديم بينهم وبين السامريين. كان التعب قد بدأ يثقل على كتفيه بعد ساعات من السير، فجلس عند بئر يعقوب، بالقرب من قرية تسمى سوخار. كان الوقت حوالي الساعة السادسة، وقت الظهيرة الحارقة، حين كانت الشمس في ذروتها، والشوارع خالية من الناس.
وهناك، عند ذلك البئر العتيق الذي حفره يعقوب منذ قرون، جلس يسوع وحيدًا. تلامست قدماه مع التراب الجاف، وبدأ العرق يتصبب من جبينه. كان عطشانًا، لكنه لم يكن لديه دلو ليستقي به الماء. وفجأة، ظهرت امرأة سامرية تحمل جرتها على كتفها. كانت تخطو بحذر، كأنها تتجنب أعين الناس. لم تأتِ في الصباح مع بقية النساء، بل اختارت هذا الوقت الحار لتجنب النظرات القاسية والأسئلة المحرجة.
رفعت عينيها فوجئت برجل يهودي جالسًا عند البئر. شعرت بالانزعاج، لكنها تجاهلته وأسرعت لتعبئة جرتها. لكن فجأة، كسر الصمت صوتٌ هادئٌ ولكنه واضح:
**”أعطيني لأشرب.”**
ارتجفت المرأة من المفاجأة. لم يكن من عادة اليهود أن يكلموا السامريين، فكيف يطلب منها، وهي امرأة، أن تخدمه؟ نظرت إليه بحذر وقالت:
**”كيف تطلب مني أن أشربك، وأنت يهودي وأنا امرأة سامرية؟”**
لكن يسوع لم يرد عليها بالطريقة المتوقعة. بدلًا من أن يغضب أو يبتعد، نظر إليها بعينين مليئتين بالحب وقال:
**”لو كنتِ تعلمين عطية الله، ومن هو الذي يقول لكِ أعطيني لأشرب، لطلبتِ أنتِ منه فأعطاكِ ماءً حيًا.”**
ارتسمت علامات الحيرة على وجهها. ما هذا الكلام الغريب؟ أين هو الدلو؟ وكيف سيأتي بهذا الماء الحي؟ أشارت إلى البئر العميق وقالت:
**”يا سيد، لا دلو معك والبئر عميق. فمن أين لك الماء الحي؟ ألعلك أعظم من أبينا يعقوب، الذي أعطانا هذا البئر وشرب منه هو وبنوه ومواشيه؟”**
ابتسم يسوع، وكأنه يرى قلبها المتعطش للحقيقة أكثر من عطشها للماء. فأجاب:
**”كل من يشرب من هذا الماء سيعطش أيضًا. ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد، بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية.”**
توهجت عينا المرأة بشيء من الأمل. ربما كان هذا الرجل نبيًا! فطلبت منه: **”يا سيد، أعطني هذا الماء لكي لا أعطش ولا آتي إلى هنا لأستقي.”**
لكن يسوع، الذي يعرف كل شيء، أراد أن يلمس جرحها العميق. فقال لها: **”اذهبي وادعي زوجكِ وتعالي إلى هنا.”**
سقطت كلماته كالصاعقة على قلبها. شعرت بالخزي يغمرها. كيف يعرف؟ ترددت للحظة ثم قالت: **”ليس لي زوج.”**
فأجاب يسوع: **”حسنًا قلتِ ‘ليس لي زوج’، لأنه كان لكِ خمسة أزواج، والذي معكِ الآن ليس هو زوجكِ. هذا قلتِ بالصدق.”**
ارتعدت المرأة. من يكون هذا الرجل الذي يعرف أسرارها؟ شعرت فجأة أنها أمام أكثر من مجرد نبي. ربما هو المسيا؟ فسألته: **”يا سيد، أرى أنك نبي. آباؤنا سجدوا في هذا الجبل، وأنتم تقولون إن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه.”**
أجاب يسوع: **”صدقيني يا امرأة، تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للآب. أنتم تسجدون لما لستم تعلمون، أما نحن فنسجد لما نعلم، لأن الخلاص هو من اليهود. ولكن تأتي ساعة، وهي الآن، حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق، لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له.”**
أدركت المرأة أنها أمام كشف إلهي. فلم تعد تتحدث عن المياه أو الأماكن، بل عن المسيا المنتظر. فقالت: **”أنا أعلم أن مسيا، الذي يقال له المسيح، يأتي. فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شيء.”**
فقال لها يسوع: **”أنا هو، الذي أكلمك.”**
في تلك اللحظة، شعرت كأن السماء انفتحت فوقها. إنه هو! المسيا! ترك جرتها واندفعت إلى المدينة، تاركة كل شيء، وصارت تقول للناس: **”هلموا انظروا إنسانًا قال لي كل ما فعلت. ألعل هذا هو المسيح؟”**
فتحير الجميع. كيف يتكلم هذا الرجل مع امرأة خاطئة؟ لكن فضولهم دفعهم إلى الخروج لرؤيته. وفي النهاية، آمن به كثيرون من السامريين بسبب كلام المرأة، ثم آمنوا أكثر عندما سمعوه بأنفسهم، وقالوا لها: **”ليس بسبب كلامكِ نؤمن، لأننا نحن قد سمعنا ونعلم أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم.”**
وهكذا، عند بئر يعقوب، في عز الظهيرة، التقى الإله العطش بمخلوقة عطشى، فسقاها ماء الحياة الأبدية.