الكتاب المقدس

أليهو يتكلم بحكمة الله في سفر أيوب

**قصة أليهو في سفر أيوب (أيوب 32)**

في تلك الأيام التي تكلم فيها أيوب وأصحابه الثلاثة – أليفاز التيماني، وبلدد الشوحي، وصوفر النعماتي – عن الآلام التي حلّت بأيوب، وعن برّ أيوب أو خطيئته، كان هناك شاب اسمه أليهو بن برخئيل البوزي من عشيرة رام. وكان أليهو قد استمع إلى كل الحوارات التي دارت بين أيوب وأصحابه، وكان قلبه يمتلئ غضبًا بسبب ما سمعه.

كان الجوّ ثقيلًا تحت خيامهم، حيث جلس الرجال الأربعة في صمت بعد أن انتهى الكلام بينهم. كان أيوب جالسًا على الرماد، وجسده مغطى بالقروح المؤلمة، لكنه ظل متمسكًا ببرّه. أما أصحابه الثلاثة، فقد استنفدوا كل حججهم ولم يعودوا قادرين على إقناع أيوب بأنه قد أخطأ، لكنهم أيضًا لم يجدوا جوابًا لمعاناته.

أما أليهو، فكان يشعر بنار تشتعل في صدره. لقد انتظر طويلًا لأن أصحاب أيوب كانوا أكبر منه سنًا، فكان يحترمهم ويصمت ليسمع حكمتهم. لكنه لاحظ أنهم لم يستطيعوا أن يجدوا جوابًا، بل بالغوا في اتهام أيوب دون فهم سرّ الله.

فتقدّم أليهو بقلب ملتهب وقال: “أنا شابٌ في السن، وأنتم شيوخ، لذلك خفتُ واحترمتُ أن أظهر رأيي أمامكم. لكنني أدركت أن السنّ ليست وحدها ما يعطي الحكمة، بل روح الله في الإنسان هي التي تنير الفهم. فاستمعوا إليّ، لأنني أنا أيضًا لدي كلام أقوله!”

كانت عيون الجميع تتجه نحو أليهو، الذي بدا وكأن نارًا مقدسة تشتعل في عينيه. لقد ملأته غيرة على حق الله، ورأى أن أصحاب أيوب لم يقدروا أن يفسروا الآلام تفسيرًا صحيحًا.

ثم تابع أليهو قائلًا: “لقد انتظرت طويلًا لأسمعكم، ظننتُ أنكم ستتكلمون بكلام حكيم، لكنني وجدت أن حججكم قد فشلت. لم تستطيعوا أن تردوا على أيوب، ومع ذلك اتهمتموه بالشر. أما أنا، فسأتكلم لأنني ممتلئ من كلام الله، وروحي تضغط عليّ كالخمر في الزقاق الجديد، التي تحتاج إلى أن تُفتح لتنفس!”

كان صوت أليهو يرتفع تدريجيًا، ووجهه يتوهج بإيمان عميق. لقد أراد أن يوضح أن معاناة أيوب ليست بالضرورة عقابًا على خطيئة، بل قد تكون اختبارًا ليكشف قوة إيمانه.

ثم أضاف: “لن أنحاز إلى أي طرف، ولن أستخدم الألقاب لتمجيد إنسان. لأني إن مدحت أحدًا، فسوف يوبخني خالقي. أما أنتم يا أصحاب أيوب، فقد فشلتم في إيجاد الحكمة، وظننتم أنكم استنفدتم كل الجواب. لكن الله أعظم من أن يُحصر في تفسير واحد!”

وهكذا بدأ أليهو رحلته في شرح سرّ المعاناة بطريقة جديدة، لم يسبقه إليها أحد. كان كلامه نابعًا من روح متواضعة لكنها شجاعة، لأنه لم يتكلم من نفسه، بل من إلهام إلهي.

وهكذا، بينما كان الجميع صامتين، بدأ أليهو يشرح حكمة الله الخفية، التي تتجاوز فهم البشر، ليعلن أن الله عادل وحكيم، حتى عندما لا نفهم طريقه.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *