الكتاب المقدس

تمرد شبع بن بكري ضد الملك داود

**قصة شبع بن بكري وتمرده ضد الملك داود**

في تلك الأيام، بعد أن هدأت عاصفة الفتنة التي أثارها أبشالوم ضد أبيه الملك داود، وعاد داود إلى أورشليم ليستعيد عرشه، ظهر رجلٌ آخر من بني إسرائيل يُدعى شبع بن بكري، من سبط بنيامين، لينشر الفوضى مرة أخرى. كان شبع رجلاً شريراً، يتكلّم بكلام ملتهبٍ يُشعل نار التمرد في القلوب. فوقف بين الشعب في جبل أفرايم وصاح: “ليس لنا نصيبٌ في داود، ولا ميراثٌ لنا في ابن يسّى! كلُّ واحدٍ إلى خيمته يا إسرائيل!”

فانقسم بنو إسرائيل، وتبع كثيرون منهم شبع بن بكري، بينما ثبت سبط يهودا بإخلاصٍ وراء الملك داود. عندئذٍ، شعر داود بالخطر يحيط بمملكته من جديد، فدخل قصره في أورشليم وأمر بحبس العشر نساء اللواتي تركهن لحراسة القصر أثناء هروبه من أبشالوم، وأمر أن يُعتنى بهنَّ، لكنهنَّ عشنَ كأرامل إلى يوم وفاتهنَّ، لأن داود لم يقترب منهنَّ بعد ذلك.

ثم التفت داود إلى رجاله الأوفياء وقال لهم: “شبع بن بكري سيكون أشدَّ خطراً علينا من أبشالوم! اخرجوا وراءه قبل أن يتحصّن في المدن ويصعب علينا أمره!” فأرسل داود أبيشاي بن صروية على رأس الجيش، ومعه يوآب القائد وجميع الجبابرة والمحاربين الأشداء. فخرجوا من أورشليم لمطاردة شبع وجماعته.

وفي الطريق، وصلوا إلى حجر كبير في جبعون، فإذا بيوآب وأبيشاي يقابلان أماسا، قائد الجيش الذي عيّنه داود بدلاً من يوآب بعد مصيره مع أبشالوم. كان أماسا قد خرج ليجمع رجال يهوذا لمحاربة شبع، لكنه تأخر عن الموعد. فاقترب يوآب منه وهو يرتدي سيفه على فخذه، فتظاهر بالمودة وقال: “هل أنت بخير يا أخي؟” ثم أمسك بلحية أماسا ليقبّله خداعاً. وفي لحظةٍ خاطفة، أخرج سيفه بيده اليمنى وطعن أماسا في جنبه، فسقط مضرجاً بدمائه على الأرض.

لم ينتظر يوآب حتى يدفنه، بل ترك جثته في الطريق واندفع هو وأبيشاي وراء شبع بن بكري. أما رجال أماسا، فلما رأوا قائدهم ميتاً، وقفوا حائرين حتى جاء أحد جنود يوآب ونادى: “من كان يحب يوآب ويتبع داود، فليتبع يوآب!” فاجتمعوا وراءه، وتركوا جثة أماسا مغطاة بثوبٍ في وسط الطريق.

واستمر المطاردون حتى وصلوا إلى مدينة أبيل، حيث تحصّن شبع مع رجاله. فحاصر يوآب المدينة وبدأ يهدم السور بآلات الحصار. وفي تلك الأثناء، خرجت امرأةٌ حكيمةٌ من المدينة ونادت: “اسمعوا! اسمعوا! قولوا ليوآب أن يقترب حتى أكلمه!” فلما اقترب، قالت له: “أنا من أهل السلام الأمناء في إسرائيل، فلماذا تريد أن تدمّر مدينةً أمينةً في إسرائيل؟ لماذا تبيد ميراث الرب؟”

فأجابها يوآب: “حاشا لي! لا أريد أن أهدم ولا أدمّر، لكن رجلاً من جبال أفرايم، اسمه شبع بن بكري، قد رفع يده على الملك داود. أسلميه فقط، وسأرحل عن المدينة.” فقالت المرأة بحكمة: “ها هو رأسُه يُلقى إليك من فوق السور!”

فذهبت المرأة إلى أهل المدينة وأقنعتهم بقتل شبع، فألقوا برأسه إلى يوآب. عندها ضرب يوآب بالبوق، وتفرّق الجيش عن المدينة وعاد كل واحدٍ إلى خيمته. أما يوآب، فقد عاد إلى أورشليم إلى الملك داود، وأخبره بانتهاء التمرد.

وهكذا، بفضل حكمة تلك المرأة، انتهت فتنة شبع بن بكري، وعاد السلام إلى المملكة. لكن دم أماسا بقي وصمةً في سجل يوآب، الذي لم يتورع عن القتل ليبقى قائداً للجيش. أما داود، فقد ثبت ملكه مرة أخرى، لكن الثمن كان دماً وخيانةً جديدةً في بيت قادته.

وهكذا نرى أن خطايا البشر، حتى في زمن الملك العظيم داود، كانت تجلب الدمار والانقسام. لكن الله كان يُمسك بزمام الأمور، ويُتمّم وعوده رغم ضعف البشر وخيانتهم.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *