**قصة النبي هوشع وزوجته جومر: رسالة المحبة والإخلاص**
في أيام يربعام بن يوآش، ملك إسرائيل، كان الرب يتكلم مع شعبه بطرق عديدة، لكن قلوبهم كانت قد ابتعدت عنه، تتبع آلهة غريبة وتنسى عهده معهم. في ذلك الزمان، اختار الرب رجلاً اسمه **هوشع بن بئيري** ليكون نبياً له، ليس فقط بكلماته بل بحياته كلها.
**الرب يأمر هوشع بالزواج من جومر**
جاءت كلمة الرب إلى هوشع قائلة:
*”اذهب خُذ لنفسك امرأة زنى وأولاد زنى، لأن الأرض قد زنت تاركة الرب.”* (هوشع ١: ٢).
كانت هذه الوصية صعبةً جداً على هوشع، فكيف يأمره الرب أن يتزوج بامرأة قد تعرف الخطية؟ لكن هوشع أطاع، لأنه فهم أن هذه ليست مجرد قصة زواج، بل صورة حية لعلاقة الرب مع شعبه.
فسار هوشع وتزوج **جومر بنت دبلايم**، وهي امرأة جميلة لكنها تحمل قلباً مضطرباً، لم تكن تعرف الوفاء بعد. ومع ذلك، أحبها هوشع كما أمره الرب، وعاشا معاً كزوجين.
**الميلاد الأول: يزرعيل**
رزق هوشع وجومر بطفلٍ أول، فقال الرب لهوشع:
*”سمِّهِ يزرعيل، لأني بعد قليل أعاقب بيت ياهو على دماء ياهو التي سفكها في يزرعيل، وأبيد مملكة بيت إسرائيل.”* (هوشع ١: ٤).
كان اسم “يزرعيل” تذكيراً بدماء نابوت الذي قتله الملك آخاب ظلماً ليأخذ كرمه (١ ملوك ٢١). فالرب سوف يأتي بالدينونة على بيت إسرائيل بسبب خطاياهم، كما فعل مع بيت آخاب من قبل.
**الميلاد الثاني: لورحامة**
ثم حملت جومر مرة أخرى وولدت ابنة، فقال الرب لهوشع:
*”سميها لورحامة (أي غير مرحومة)، لأني لا أعود أرحم بيت إسرائيل بل أرفعهم رفعاً.”* (هوشع ١: ٦).
كانت هذه الكلمات قاسية، لكنها تعكس حقيقة مريرة: لقد رفض الشعب الرب، فلم يعد هناك رحمة لهم إلا إذا تابوا. حتى أن الرب قال:
*”أما بيت يهوذا فأرحمهم وأخلصهم بالرب إلههم.”* (هوشع ١: ٧).
**الميلاد الثالث: لوعمي**
ثم ولدت جومر ابناً ثالثاً، فقال الرب:
*”سمِّهِ لوعمي (أي ليس شعبي)، لأنكم لستم شعبي وأنا لا أكون لكم.”* (هوشع ١: ٩).
يا له من اسم مؤلم! لقد قطع الرب علاقته مع إسرائيل بسبب عبادة الأوثان والظلم. لكن في وسط هذا الغضب، كانت هناك نبوة رجاء:
*”لكن يكون عدد بني إسرائيل كرمل البحر الذي لا يُكال ولا يُعد. وفي المكان الذي قيل لهم فيه: لستم شعبي، يقال لهم: أبناء الله الحي.”* (هوشع ١: ١٠).
**جومر تهرب وتعود**
بعد سنوات، تركت جومر بيت هوشع وذهبت إلى عشاقها، تاركةً وراءها زوجها وأولادها. لكن الرب أمر هوشع أن يذهب ويحبها مرة أخرى، رغم خيانتها، كما يحب الرب شعبه رغم بعدهم عنه.
فاشتراها هوشع بخمسة عشر شاقلًا من الفضة وحميرٍ من الشعير، وقال لها:
*”تنتظرينني أياماً كثيرة، لا تزنين ولا تكونين لرجل، وأنا أيضاً لك.”* (هوشع ٣: ٣).
**الرمز وراء القصة**
كانت حياة هوشع وجومر صورةً لعلاقة الله مع إسرائيل. فبالرغم من خيانة الشعب، كان الرب يحبهم ويطلبهم ليعودوا إليه. فكما قبل هوشع جومر رغم خطاياها، يفتح الرب ذراعيه لكل تائب.
وفي النهاية، وعد الله بأنه سيجدد عهده معهم:
*”وأخطبك لنفسي إلى الأبد، أخطبك لنفسي بالعدل والحق والإحسان والمراحم. أخطبك لنفسي بالأمانة فتعرفين الرب.”* (هوشع ٢: ١٩-٢٠).
هكذا علمنا هوشع أن محبة الله أقوى من خطايانا، وأن رحمته تنتصر على دينونته لكل من يرجع إليه بقلبٍ منكسر.