الكتاب المقدس

**الوفاء في العمل والصبر في المحنة**

**القصة: الوفاء في العمل والصبر في المحنة**

في مدينة تسالونيكي، حيث كانت الكنيسة الناشئة تواجه ضغوطًا شديدة من الاضطهاد والإغراءات، جلس الرسول بولس في أحد زوايا بيت أحد المؤمنين، محاطًا ببعض الأخوة، وكتب بروح الحكمة رسالةً ثانيةً إلى المؤمنين هناك. كان قلبه مثقلًا بالقلق عليهم، خاصةً بعد أن وصلته أخبار عن بعض الكسالى بينهم، الذين توقفوا عن العمل منتظرين مجيء الرب بتراخٍ، معتمدين على سخاء الآخرين.

بدأ بولس بكتابة الكلمات المليئة بالنصح الأبوي: *”أيها الإخوة، لا تملوا من عمل الخير. وإن كان أحد لا يريد أن يعمل، فلا يأكل أيضًا.”* (2 تسالونيكي 3: 10). كانت عيناه تلمعان بتجربة شخصية، فقد رغم كونه رسولًا، لم يكن يأكل خبزًا مجانًا أبدًا، بل كان يعمل بيديه ليلًا ونهارًا كصائح خيام، حتى لا يكون عبئًا على أحد.

تذكر بولس الأيام التي قضاها بينهم، كيف كان يكدح تحت شمس اليونان الحارقة، بينما كان يعلمهم كلمة الله في المجمع كل سبت. كان يرفض أن يأخذ مالًا منهم، رغم أن له الحق في ذلك، ليكون قدوةً في الكد والعمل. والآن، بعد مغادرته، بدأ بعض الناس يتكاسلون، مدعين أن يوم الرب قريبٌ جدًا، فلا داعي للعمل.

كتب بولس بحزم: *”لأننا لما كنا عندكم، أوصيناكم هذا: إن كان أحد لا يريد أن يعمل، فلا يأكل.”* ثم أضاف بنبرة حانية: *”لأننا نسمع أن أناسًا يسلكون بينكم بلا ترتيب، لا يعملون شيئًا بل هم فضوليون.”* (2 تسالونيكي 3: 11). كان هؤلاء يتجولون بين البيوت، يتدخلون في شؤون الآخرين، ويسببون المشاكل، بينما كان عليهم أن يكدحوا مثل بقية الإخوة.

ثم انتقل بولس إلى النصيحة العملية: *”فأمثل هؤلاء نوصيهم ونعظهم بربنا يسوع المسيح أن يعملوا بهدوء ويأكلوا خبز أنفسهم.”* (2 تسالونيكي 3: 12). أراد أن يفهم الجميع أن الإيمان لا يعني الكسل، بل الاجتهاد في العمل كخدمة للرب.

لكن بولس لم ينسَ أن يقدم كلمات التشجيع أيضًا: *”وأما أنتم أيها الإخوة، فلا تملوا من عمل الخير.”* (2 تسالونيكي 3: 13). كان يعرف أن معظم المؤمنين في تسالونيكي أمناء ومجتهدين، لكنه أراد أن يحذرهم من تأثير الكسالى عليهم.

ثم ختم بولس رسالته بصلاة جميلة: *”ورب السلام نفسه يعطيكم السلام دائمًا من كل وجه. الرب مع جميعكم.”* (2 تسالونيكي 3: 16). كانت هذه الكلمات كالندى على قلوب المضطهدين، تذكرهم أن الله هو مصدر السلام الحقيقي وسط المحن.

وعندما قرأ تيموثاوس الرسالة على الكنيسة المجتمعة، شعر الجميع بتوبيخٍ لطيفٍ لكنه حازم. بعض الذين كانوا يتكاسلون، خجلوا من أنفسهم، وبدأوا في البحث عن عملٍ في اليوم التالي. بينما عزّى المؤمنون الأمناء بكلمات بولس، وعرفوا أن اجتهادهم في العمل هو أيضًا عبادة لله.

وهكذا، تعلمت كنيسة تسالونيكي أن الانتظار الحقيقي لمجيء المسيح لا يعني التوقف عن العمل، بل الاجتهاد في كل شيء، لأن المؤمن الحكيم يعمل وكأنه سيعيش إلى الأبد، ويعيش وكأن المسيح آتٍ اليوم.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *