**قصة يوثام ملك يهوذا: الملك الذي ثبَّت قلبه في طرق الرب**
في الأيام التي تلت موت عزيا الملك، الذي عاش أيامًا طويلة في القوة والعظمة لكنه انتهى بعقاب من الرب بسبب كبريائه، جلس يوثام ابنه على عرش يهوذا. كان يوثام شابًا في ريعان قوته، لكن قلبه كان أشد ثباتًا من جبال أورشليم. لقد تعلم من خطأ أبيه، الذي دخل الهيكل ليبخر دون أن يكون كاهنًا، فضربه الرب بالبرص حتى يوم وفاته. لذلك، عزم يوثام ألا يسير إلا في طريق الرب، متمسكًا بشريعته، خاضعًا لكهنته.
### **الملك الذي بنى وانتصر**
لم يكن يوثام ملكًا عاديًا يجلس على العرش وينعم بالسلطان دون عمل. بل كان رجل رؤية وعمل. فقد بنى البوابات العالية لبيت الرب، تلك الأبواب التي كانت تشهد على مجد الله وسط شعبه. كما أنه أصلح أسوار أورشليم، فجعلها حصنًا منيعًا لا يقدر الأعداء على اختراقه. لكن أعظم ما بناه يوثام كان في قلبه — خيمة الإيمان التي أقامها للرب، فسار أمامه بإخلاص واتضاع.
ولم يكتفِ يوثام بالبناء داخل أورشليم، بل مدَّ سلطانه إلى خارجها. ففي جبال يهوذا الوعرة، شيد مدنًا حصينة، وفي الغابات الكثيفة، أقام قلاعًا منيعة. وكانت هذه الحصون بمثابة درع يحمي المملكة من غارات الأعداء.
### **الحرب والنصر**
ولأن يوثام سار في طريق الرب، باركه الله وأعطاه النصرة على أعدائه. فقد هاجم بنو عمون، ذلك الشعب القاسي الذي كان دائم التمرد والعدوان، حدود يهوذا، فخرج عليهم يوثام بجيشه كالسهم المنطلق من قوس الرب. وقاتل بنو يهوذا بشجاعة، لأنهم كانوا يعلمون أن ملكهم لا يعتمد على قوته وحده، بل على إله إسرائيل القدير.
وهزم يوثام العمونيين هزيمة ساحقة، حتى أنهم أتوا إليه في السنة التالية يقدمون له جزية ثقيلة: مئة وزنة من الفضة، وعشرة آلاف كُرِّ من القمح، وعشرة آلاف من الشعير. وكانت هذه الغنائم دليلًا على نعمة الرب التي حلَّت على يوثام، لأنه ثبت قلبه في طريقه.
### **البركة والخلود في الذاكرة**
ظل يوثام ملكًا ستة عشر عامًا، وفي كل يوم من تلك السنوات، كان يزداد قوة لأن طريقته كانت مرضية أمام الرب. لم يدخل الهيكل كما فعل أبوه بغير حق، ولم يتكبر على شعبه، بل كان كالراعي الأمين الذي يبني ويحمي رعيته.
لكن الشعب، للأسف، لم يكن بارًا مثل ملكه. ففي السهول الخفية، وفي الوديان المظلمة، كانوا لا يزالون يقدمون الذبائح على المرتفعات، ويبخرون للأصنام. ورغم أن يوثام لم يشاركهم في شرهم، إلا أن خطيئة الشعب كانت تتراكم كسحابة سوداء على المملكة.
وأخيرًا، عندما اكتملت أيام يوثام، رقد مع آبائه، ودفن في مدينة داود. وملك ابنه آحاز عوضًا عنه، الذي لم يسلك في طريق أبيه، بل فتح الباب لظلام أكبر.
وهكذا بقي اسم يوثام مكتوبًا في سفر أخبار الأيام كملكٍ **”عمل المستقيم في عيني الرب، وسار في كل طريق أبيه، لكنه لم يدخل الهيكل كما فعل أبوه”**. لقد كان مثالًا للملك الذي يبني ويحارب وينتصر، ليس بقوته، بل بإيمانه بالله الحي.