**قصة نحميا وإصلاحاته الأخيرة**
في الأيام التي تلت عودة نحميا إلى أورشليم، بعد أن قضى بعض الوقت في خدمة الملك أرتحشستا، وجد أن الشعب قد عاد إلى بعض الممارسات التي كان قد أصلحها من قبل. كان القلب الثقيل يملأ صدر نحميا حين رأى أن بيت الله، الذي كرّس كل جهده لإعادة بنائه وتقديسه، قد أُهمل مرة أخرى.
### **الانتهاكات في بيت الله**
دخل نحميا إلى دار بيت الرب، فوجد أن الغرفة المخصصة لتخزين التقدمات والحبوب والخمر والزيت، والتي كان يجب أن تكون مملوءةً بما يلزم للكهنة واللاويين، قد حوّلها طوبيا العموني إلى مخزن لأغراضه الشخصية. كان طوبيا من الأعداء الذين عارضوا بناء السور، والآن تجرأ أن يدنس بيت الله! لم يكتفِ بذلك، بل إن الكهنة أنفسهم سمحوا له بذلك لأنه كان صهرًا لأحدهم.
ثارت غيرته للرب، فأخرج كل أمتعة طوبيا من المخزن وأمر بتنظيف المكان وتطهيره. ثم أعاد تخصيصه لتخزين تقدمات الشعب كما كان من قبل. قال في قلبه: “كيف يُترك بيت الله ويُهمل بينما هم مشغولون بمصالحهم؟”
### **إهمال أعضاء الخدمة**
ثم لاحظ نحميا أمرًا آخر مؤلمًا: اللاويون والمغنون، الذين كانوا يقومون بالخدمة في الهيكل، قد تفرقوا إلى حقولهم لكي يعملوا ويأكلوا، لأن الشعب لم يعد يقدم العشور كما أمر الله. فاجتمع نحميا بالرؤساء وقال لهم: “لماذا تُهملون بيت الرب؟ ألم يوصِ موسى بأن يكون لللاويين نصيب في التقدمات؟”
فجمع الشعب من جديد، وأمر بإعادة العشور من الحبوب والخمر والزيت إلى مخازن الهيكل. وعيّن رجالًا أمناء، منهم الكاهن صادوق واللاوي حنن، ليتولوا توزيعها على إخوتهم الخدام، حتى لا يعودوا إلى ترك خدمة الرب من أجل لقمة العيش.
### **انتهاك السبت**
لكن المشاكل لم تنتهِ عند هذا الحد. في أيام السبت، رأى نحميا أن الناس يحملون الأحمال ويبيعون في أورشليم، بل إن بعضًا من أهل صور كانوا يجلبون الأسماك والبضائع في يوم الراحة ويبيعونها لليهود. فغضب غضبًا شديدًا، ووبخ الأشراف قائلًا: “ما هذا الشر الذي تعملونه، فتُدنّسون يوم السبت؟ ألم يفعل آباؤكم هكذا فأحلّ الله بهم كل هذا الشر؟ أتريدون أن يستزيد غضب الله على إسرائيل بانتهاك السبت؟”
فأمر بإغلاق أبواب أورشليم عند غروب الشمس قبل يوم السبت، حتى لا يدخل التجار، وبقي الحراس على الأبواب طوال اليوم المقدس. وعندما حاول بعض الباعة المكوث خارج الأسوار، أنذرهم نحميا قائلًا: “إن عدتم إلى هنا سأضع يدي عليكم!” فامتنعوا عن المجيء بعد ذلك.
### **الزواج من الأجنبيات**
ثم اكتشف نحميا أن بعض اليهود، بل حتى أولادهم، تزوجوا بنساء من عمون وموآب وغيرهم من الشعوب الوثنية. وكان بعض هؤلاء النساء يُدخلن عادات غريبة وعبادات للأصنام إلى بيوت إسرائيل. حتى أن أحد أحفاد الكاهن الأعظم إلياشيب كان صهرًا لسانبلط الحوروني، العدو اللدود لليهود!
فنادى نحميا فيهم: “ألم يُخطئ سليمان بهذا الأمر، فجعلت نساؤه الأجنبيات قلبه يميل وراء آلهة أخرى؟ والآن أنتم ترتكبون هذا الذنب العظيم، فتخونون إلهكم بتزويج بنات الأجانب!” فعاتبهم بعنف، وضرب بعضهم ونزع شعرهم، وأقسم عليهم بالله قائلًا: “لا تُعطوا بناتكم لبنيهم، ولا تأخذوا بناتهم لبنيكم!” وتذكر كيف أن هذه الخطية أهلكت إسرائيل من قبل، فطرد أولاد الأجانب من وسط الجماعة.
### **ختام الإصلاحات**
وهكذا، طهّر نحميا الشعب من كل دنس، وأعاد ترتيب الخدمة في بيت الرب، وألزمهم باحترام السبت، ومنع الاختلاط بالشعوب الوثنية. وفي كل ذلك، كان يصلي: “اذكرني يا إلهي للخير، ولا تمحُ أعمالي التي عملتها لأجل بيت إلهي ولأجل خدمته!”
فكان نحميا رجلًا غيورًا على ناموس الله، لم يخشَ وجوه الناس، بل وقف بشجاعة ليُصلح ما أفسده الزمن والتهاون. وهكذا حفظ العهد مع الرب، وعلّم الشعب أن القداسة ليست مجرد كلمات، بل هي تطبيق عملي لإرادة الله في كل مناحي الحياة.