**قصة حبقوق النبي ورؤيته العظيمة**
في أيامٍ مضت، عندما كانت مملكة يهوذا تمر بأوقاتٍ عصيبةٍ، وقف النبي حبقوق بين الرب وشعبه، يحمل في قلبه أسئلةً محرقةً عن العدل والظلم الذي يراه حوله. فقد رأى الأشرار يطوّقون الأبرار، والعنف يسود في الأرض. فرفع صوته إلى السماء قائلاً:
**”يا رب، إلى متى أدعو وأنت لا تسمع؟ أصرخ إليك من الظلم وأنت لا تخلّص؟”**
لكن الرب لم يترك عبده حبقوق في حيرته. فأجابه بأنه سيقوم بعملٍ عجيبٍ لا يصدقه البشر، وسيستخدم الكلدانيين، الأمة القاسية، لتأديب شعبه. لكن هذا الجواب زاد من حيرة النبي، فكيف يستخدم الرب أمةً شريرةً لتنفيذ قصاصه؟
ثم جاء اليوم الذي فيه ارتفع حبقوق إلى مكانٍ منعزلٍ ليصلي وينتظر كلمة الرب. وهناك، في هدوء الجبل، تحت ظل السحاب، فتح الرب عيني حبقوق ليرى رؤيا مهيبةً عن مجيئه العظيم.
### **الرؤيا العظيمة**
رأى حبقوق الرب قادماً من تيمان، وجبل فاران المقدس يلمع من بهاء مجده. كانت السماء تمتلئ بأنوارٍ لا تُوصف، والأرض ترتجف من هيبته. لبس الرب العظمة كرداء، والجلال كسحابةٍ تغطيه. أمامه سار الموت، وخلفه اشتعلت نيران دينونته.
وقف حبقوق مرتعداً وهو يرى الرب يمد يده إلى السموات، فتتزلزل الجبال الأزلية، وتنشق التلال العتيقة. رأى خيام كوشان ترتجف، وأخبية أرض مديان تترنح.
ثم سأل حبقوق في قلبه: **”هل على الأنهار اشتعل غضبك يا رب؟ أم على البحر كان سخطك حتى ركبت خيلك ومركبات خلاصك؟”**
وتجلّت الإجابة في الرؤيا: فقد كشف الرب عن قوسه، وأخرج سهام النقمة من جعبته. انفتحت الأرض وأنهرت مياهٌ عظيمةٌ من هبوب أنفاسه. الشمس والقمر وقفا في مكانهما، بينما سهابهما كالضوء الساطع يتطاير في الجو.
رأى حبقوق الرب يدوس الأمم بغضبه، ويسحق رؤوس الأشرار كأنهم حصيد الأرض. سار كالرعد بين الجيوش، وكالبرق الذي يشق السحب.
### **صلاة حبقوق وإيمانه الراسخ**
عندما اختفت الرؤيا، بقي حبقوق مرتعداً، لكن قلبه امتلأ إيماناً. فرفع صوته إلى الرب قائلاً:
**”سمعت خبرك فجزعت. في وسط السنين أحييها. في الغضب تذكر الرحمة.”**
عرف أن أيام الشر لن تدوم، وأن الرب سيتدخل في الوقت المناسب. فقرر أن ينتظر بصبر، ولو تأخرت النبوة، لأنها ستأتي حتماً.
ثم ختم حبقوق صلاته بكلمات الإيمان الراسخ:
**”وإن لم تتزهر التينة، ولم يكن في الكروم ثمر، وإن خذلت حصة الزيتون، والحقول لم تعطِ طعاماً، وإن انقطع الغنم من الحظيرة، ولم يكن بقر في المذاود، فإني مع ذلك أبتهج بالرب، وأفرح بإله خلاصي. الرب السيد قوتي، ويجعل قدمي كالأيائل، ويمشيني على مرتفعاتي.”**
وهكذا، عاد حبقوق إلى شعبه يحمل رسالة الرجاء: أن الرب قدوسٌ ولا يتغاضى عن الشر إلى الأبد، لكنه أيضاً رحيمٌ ولا ينسى شعبه. فليتكل الجميع عليه، حتى في أحلك الأوقات، لأنه هو وحده الملجأ والحصن.
**وهكذا تنتهي قصة حبقوق، النبي الذي تعلم أن يثق في الرب حتى في وسط العواصف.**