الكتاب المقدس

موسى والعليقة المشتعلة: النداء الإلهي للحرية

**القصة: العليقة المشتعلة والنداء الإلهي**

في أرض مديان، حيث تمتد الصحاري الواسعة وتتلالأ الجبال الشامخة، كان هناك رجل اسمه موسى. بعد أن هرب من وجه فرعون مصر، وجد ملجأً بين أهل مديان، وصار راعياً لغنم حميه يثرون. وفي أحد الأيام، بينما كان موسى يسير بقطيعه عبر البرية، وصل إلى جبل حوريب، الجبل المقدس الذي سيتغير عنده مصيره إلى الأبد.

كانت الشمس تميل نحو الغروب، وصمت البرية إلا من همسات الريح الخفيفة. وفجأة، لاحظ موسى من بعيد مشهداً غريباً—عليقةً تشتعل بالنار! لكن العجيبة كانت أن النار لم تكن تلتهم العليقة، بل ظلت مشتعلة دون أن تحترق. فالتفت موسى في دهشة وقال في نفسه: **”لماذا لا تحترق هذه العليقة؟ يجب أن أقترب لأرى هذا المنظر العجيب!”**

وبينما كان يتقدم بحذر، إذ بصوتٍ يناديه من وسط النار: **”موسى، موسى!”** فارتعد الرجل وخاف، لكنه أجاب: **”هأنذا!”** فقال له الصوت: **”لا تقترب إلى هنا. اخلع حذاءك من رجليك، لأن المكان الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة.”**

ففعل موسى كما أُمر، وغطى وجهه خوفاً من أن يرى الله. ثم تابع الرب كلامه: **”أنا إله أبيك، إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب.”** فلما سمع موسى هذا، ارتعد أكثر، لأنه عرف أنه يقف أمام القدوس نفسه.

ثم قال الرب: **”لقد رأيت مذلة شعبي في مصر، وسمعت صراخهم بسبب ظلم مسخريهم. وعرفت آلامهم، فنزلت لأنقذهم من أيدي المصريين وأصعدهم إلى أرضٍ جيدةٍ وواسعة، إلى أرض تفيض لبناً وعسلاً.”**

ثم أردف الرب قائلاً: **”والآن، هلم فأرسلك إلى فرعون لتخرج شعبي بني إسرائيل من مصر.”**

فارتعب موسى من هذه المهمة الجسيمة وقال للرب: **”من أنا حتى أذهب إلى فرعون وأخرج بني إسرائيل من مصر؟”** فأجابه الرب: **”إني أكون معك، وهذه تكون لك العلامة أني أنا أرسلتك: حينما تخرج الشعب من مصر، تعبدون الله على هذا الجبل.”**

لكن موسى، في ضعفه، استمر في التساؤل: **”إذا ذهبتُ إلى بني إسرائيل وقلت لهم: ‘إله آبائكم أرسلني إليكم’، فسألوني: ‘ما اسمه؟’ فماذا أقول لهم؟”**

فأجاب الله موسى بكلماتٍ تملأ القلوب رهبةً: **”أهيه الذي أهيه.”** ثم قال: **”هكذا تقول لبني إسرائيل: ‘أهيه أرسلني إليكم.'”** وأكمل الرب: **”قل لهم: الرب، إله آبائكم، إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، أرسلني إليكم. هذا اسمي إلى الأبد، وهذا ذكري إلى كل جيل.”**

وأمره الله أن يجمع شيوخ إسرائيل ويخبرهم بأن الرب قد افتقدهم ويريد إخراجهم من العبودية إلى أرض الموعد. لكن موسى، وهو يشك في قبول الشعب له، قال: **”وإن لم يصدقوني ولم يسمعوا لقولي، بل قالوا: ‘لم يظهر لك الرب!'”**

فأعطاه الله آيتين: الأولى أن يحول عصاه إلى حية، والثانية أن يضع يده في جيبه فتخرج بيضاء من البرص. وقال له: **”إذا لم يصدقوك من الآية الأولى، فستصدقهم الآية الثانية. وإن لم يقتنعوا بهاتين، فخذ من ماء النهر وأفرغه على اليابس فيتحول إلى دم.”**

لكن موسى، في خوفه، اعترض مرة أخرى: **”يا سيد، لستُ متكلماً بارعاً، فثقيل الفم واللسان أنا.”**

فقال له الرب: **”من صنع للإنسان فماً؟ من يجعل الإنسان أخرس أو أصم أو بصيراً أو أعمى؟ أليس أنا الرب؟ فاذهب، وأنا أكون مع فمك وأعلمك ما تقول.”**

لكن موسى توسل قائلاً: **”يا سيد، أرسل من تريد غيري!”**

فحمي غضب الرب عليه، وقال: **”أليس هرون أخاك اللاوي؟ أنا أعلم أنه يتكلم بطلاقة. فهو يخرج لاستقبالك، وحين يراك يفرح قلبه. تكلم أنت له واجعل الكلمات في فمه، وأنا أكون معكما وأرشدكما ما تفعلان.”**

وأخيراً، أطاع موسى، وحمل معه عصا الله، وعاد إلى مصر ليقود شعبه إلى الحرية، وليحقق الوعد الإلهي العظيم الذي بدأ مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب. وهكذا، من وسط نار العليقة التي لا تحترق، انطلقت خطة الله العظيمة لخلاص شعبه.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *