**قصة من رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس (الإصحاح الرابع)**
في مدينة كورنثوس العظيمة، حيث تلتقي الثقافات وتزدهر التجارة، اجتمع المؤمنون في كنيسة ناشئة، يحملون في قلوبهم غيرة للرب، لكنهم وقعوا في فخاخ الكبرياء والانقسام. كان بعضهم يقول: “أنا مع بولس!” وآخرون يفتخرون: “أنا مع أبلوس!” أو “أنا مع بطرس!” وكأن الإيمان صار ميراثًا بشريًا يُقتسم.
في تلك الأثناء، كان بولس الرسول، خادم المسيح الأمين، يكتب إليهم من بعيد برسالة تنبض بالحكمة والحنان الأبوي. حملت الكلمات نفحة الروح القدس، فبدأ يُذكّرهم بحقيقة دعوتهم:
**”ليحسبنا الإنسان خدامًا للمسيح ووكلاء سرائر الله.”**
تخيل بولس وهو يجلس في زنزانة ضيقة، محاطًا بالظلام، لكن قلبه مملوء نورًا. كان يعرف أن الخدمة ليست مجدًا بشريًا، بل أمانة لله. كتب لهم بكلمات نارية:
**”وأما عندي فأنه لشيء صغير جدًا أن أحاكم من قبلكم أو من يوم بشرٍ. بل أنا لا أحاكم نفسي أيضًا، لأني لست أشعر بشيء ضد نفسي، لكنني لست بذلك مبررًا. ولكن الذي يحاكمني هو الرب.”**
كان بولس يعلم أن الديانة الحقيقية ليست في مدح الناس أو ذمهم، بل في عيني الرب الذي يكشف خفايا القلوب. ثم واصل كلماته بتواضع عميق:
**”إذاً لا تحكموا في شيء قبل الوقت، حتى يأتي الرب، الذي سينير خفايا الظلام ويظهر آراء القلوب. وحينئذ يكون المدح لكل واحد من الله.”**
ثم انتقل بولس إلى صورة مؤثرة، واصفًا حال الرسل:
**”نحن جهّال من أجل المسيح، وأما أنتم فحكماء في المسيح! نحن ضعفاء، وأما أنتم فأقوياء! أنتم مكرمون، وأما نحن فبلا كرامة!”**
تخيل المؤمنون في كورنثوس وهم يقرأون هذه الكلمات، وكأن بولس يرسم لهم صورة الرسل كمجانين في سبيل الإنجيل، يسيرون في الشوارع جياعًا، عراة، مُضطهدين، يعملون بأيديهم لئلا يكونوا عبئًا على أحد. ومع ذلك، كان قلب بولس يفيض محبة:
**”نحن نعاني الاضطهاد، لكننا نصبر. يُفترى علينا، لكننا نستعطف. صرنا كأقذار العالم، كوسخ كل شيء إلى الآن.”**
ثم، كأب روحي يحرص على أولاده، ختم بولس كلماته بنصحٍ ملتهب:
**”لا لأجل أن أخزيكم أكتب بهذا، بل كأولادي الأحباء أنذركم. لأنه وإن كان لكم ربوات من المرشدين في المسيح، لكن ليس آباء كثيرون. لأني أنا ولدتكم في المسيح يسوع بالإنجيل.”**
تخيل دموع بولس تسقط على الرقعة وهو يكتب:
**”فأطلب إليكم أن تكونوا متمثلين بي.”**
ثم أرسل إليهم تيموثاوس، ابنه الروحي الأمين، ليعلمهم ويذكرهم بطرق المسيح التي تعلمها من بولس.
وهكذا، بينما كانت كورنثوس تعج بالحكمة البشرية والمجد الزائل، جاءت كلمات بولس كصوتٍ من السماء، تذكر الجميع: **”الملكوت ليس بكلام، بل بقوة!”**
فهل سيتعلم أهل كورنثوس أن المجد الحقيقي هو في الاتضاع، وأن القوة هي في ضعف الصليب؟ الوقت وحده كفيل بإجابة هذا السؤال، لكن رسالة بولس بقيت شعلة نور ترشد كل جيل إلى طريق الحق.