الكتاب المقدس

إيليا وجبل الكرمل: انتصار الإله الحقيقي

**قصة إيليا وجبل الكرمل: مواجهة العبادة الكاذبة**

في أيام الملك آخاب، ملك إسرائيل، اشتد غضب الرب على الشعب لأنهم تركوا وصاياه واتبعوا البعل، إله الزيف الذي قدمته لهم الملكة إيزابل. فكانت الأرض تعاني من جفاف شديد منذ ثلاث سنوات، حسب كلمة إيليا النبي، الذي قال: “لا يكون طل ولا مطر في هذه السنين إلا عند قولي.”

وفي السنة الثالثة من الجفاف، جاء كلمة الرب إلى إيليا قائلاً: “اذهب واظهر لآخاب، فإني مزمع أن أُعطي مطراً على وجه الأرض.” فذهب إيليا ليلتقى بآخاب. وكان آخاب قد أرسل عبيده في كل مكان يبحثون عن ماء وعشب لإنقاذ الخيل والبغال، لكن الأرض كانت يابسة تماماً.

وعندما رأى آخاب إيليا، قال له بغضب: “أأنت هذا الذي يُزعج إسرائيل؟” فأجابه إيليا بثقة: “لست أنا الذي أزعج إسرائيل، بل أنت وبيت أبيك، لأنكم تركتم وصايا الرب وتبعت البعل!” ثم طلب إيليا من الملك أن يجمع كل إسرائيل إلى جبل الكرمل، مع أنبياء البعل الأربع مئة والخمسين، وأنبياء السواري الأربع مئة، الذين كانت إيزابل تطعمهم.

**المواجهة العظيمة على جبل الكرمل**

اجتمع الشعب بكثرة على الجبل، ووقف إيليا وحده أمام الجموع. فرفع صوته وقال: “حتى متى تعرجون بين الفرقتين؟ إن كان الرب هو الإله فاتبعوه، وإن كان البعل فاتبعوه!” لكن الشعب لم يجبه بكلمة.

ثم اقترح إيليا اختباراً: “ليُعطَ ثوران، فليختار أنبياء البعل ثوراً واحداً ويضعوه على الحطب، ولكن لا يشعلوا ناراً. وأنا أفعل بالمثل بالثور الآخر. ثم ادعوا أنتم باسم آلهتكم، وأنا أدعو باسم الرب. والإله الذي يجيب بالنار، فهو الإله الحقيقي!” فقال كل الشعب: “الكلام حسن!”

فبدأ أنبياء البعل بذبح ثورهم ووضعه على المذبح، وصرخوا من الصباح إلى الظهر: “يا بعل استجب لنا!” لكن لم يكن صوت ولا مجيب. فصاروا يرقصون حول المذبح ويجرحون أنفسهم بالسكاكين، حسب عادتهم، حتى سال منهم الدم. لكن لا شيء حدث.

وعند الظهر، سخر إيليا منهم قائلاً: “اصرخوا بصوت أعلى! لعله إلهكم مشغول، أو في سفر، أو نائم فسيستيقظ!” فازدادوا صراخاً وتقطيعاً لأنفسهم حتى المساء، لكن بقي المذبح بارداً، ولم تظهر أي نار.

**صلاة إيليا وإجابة الرب بالنار**

ثم دعا إيليا الشعب إليه. فأخذ ثوراً وبنى مذبحاً من اثني عشر حجراً، حسب عدد أسباط إسرائيل. ورتب الحطب ووضع الثور المقطع فوقه. ثم أمر بملء أربع جِرار ماء وسكبها على المحرقة والحطب، حتى سال الماء حول المذبح وملأ الخندق الذي حفره.

وفي وقت إصعاد التقدمة، تقدم إيليا وصلّى: “أيها الرب إله إبراهيم وإسحاق وإسرائيل، ليعلم اليوم أنك أنت الإله في إسرائيل، وأنا عبدك، وبأمرك فعلت كل هذه الأمور. استجبني يا رب، ليعلم هذا الشعب أنك أنت الرب الإله، وأنك قد أعدت قلوبهم إليك!”

فنزلت نار الرب وأكلت المحرقة والحطب والحجارة والماء الذي في الخندق، حتى لعق اللهيب التراب! فلما رأى الشعب ذلك، سقطوا على وجوههم وقالوا: “الرب هو الإله! الرب هو الإله!”

ثم أمر إيليا بالقبض على أنبياء البعل، فنزل بهم إلى نهر قيشون وقتلهم هناك، كما تقضي شريعة الرب بمعاقبة عبادة الأوثان.

**نزول المطر بعد الجفاف**

بعد ذلك، قال إيليا لآخاب: “اصعد كل واشرب، لأنه صوت مطر غزير!” فصعد آخاب ليأكل ويشرب. أما إيليا فصعد إلى رأس الكرمل وخرّ على الأرض، ووضع وجهه بين ركبتيه، وصلى من أجل المطر. ثم قال لغلامه: “اطلع نحو البحر!” فذهب الغلام ورجع قائلاً: “لا شيء!”

كرر إيليا الصلاة سبع مرات، وفي المرة السابعة قال الغلام: “هوذا سحابة صغيرة قدر كف إنسان صاعدة من البحر!” فقال إيليا: “اذهب وقل لآخاب: اشدد مركبتك وانزل لئلا يمنعك المطر!”

وقبل أن يصل آخاب إلى السهل، أظلمت السماء بالغيوم، وهبّت ريح عظيمة، وهطل مطر غزير. فعادت الحياة إلى الأرض، وظهرت يد الرب العظيمة في خلاص شعبه من الضلال.

وهكذا أظهر الرب قوته في ذلك اليوم، وثبت أن إيليا هو نبي الحق، بينما انكشف زيف آلهة الأمم. فليتعلّم الجميع أن الرب وحده هو الإله، ولا إله سواه!

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *