**قصة سليمان الحكيم وتأمُّلاته في باطل الحياة**
في الأيام التي كان فيها سليمان بن داود ملكًا على إسرائيل، جلس في قصره الفاخر الذي بناه من أرز لبنان، محاطًا بكل ما تشتهيه العين وتطلبه النفس. كان القصر يلمع تحت أشعة الشمس كالجوهرة، وجدرانه منحوتة بأيدي أمهر الصناع، وأعمدته مرصعة بالذهب. في تلك الأيام، قرر سليمان أن يختبر كل ملذات الحياة ليرى ما إذا كانت تُعطي معنى حقيقيًا للإنسان.
بدأ بزراعة كرومٍ واسعة، فامتدت الأشجار المثمرة على مد البصر، وعصّر العنب ليملأ خزائنه بأفضل الخمور. بنى جناتٍ وبساتين، وغرس فيها كل أنواع الأشجار، وحفر بركًا لريّ المزروعات. اشترى عبيدًا وإماءً لخدمته، وامتلك قطعانًا من البقر والغنم أكثر من أي ملك قبله. جمع الذهب والفضة من كل الأمم، واجتذبت حكمته ملوك الأرض لسماعها، فأتوا إليه يحملون الهدايا.
أحضر المغنين والمغنيات، وكل ما يُسرُّ الأذن، وملأ أيامه بالولائم والموسيقى. قال في قلبه: “هأنذا قد نلت كل ما يشتهيه الإنسان، فماذا بعد؟ هل هذا هو الغبطة الحقيقية؟” لكنه مع كل ما امتلكه، وجد أن كل شيء باطل وقبض الريح.
ثم التفت إلى الحكمة، فقارن بين حياة الجاهل وحياة الحكيم، وقال: “الحكمة أفضل من الحماقة كما النور أفضل من الظلام. الحكيم يسير بنور عينيه، أما الجاهل فيسير في الظلام.” لكنه أدرك أن المصير واحد للجميع، فالحكيم يموت كما يموت الجاهل. فحزن في قلبه وقال: “إذًا ما فائدة الحكمة؟”
ثم فكّر في الأعمال العظيمة التي قام بها، فبنى المدن وشيّد القصور، وزرع الحدائق، وملأ الأرض بعظمته. لكنه نظر إلى كل هذا وقال: “كل ما صنعته يئول إلى من يأتي بعدي، وقد يكون حكيمًا أو جاهلًا، فمن يعلم؟” فوجد أن تعبه عبثٌ تحت الشمس.
وأخيرًا، أدار وجهه نحو الفرح البسيط، فقال: “ليس للإنسان شيء أفضل من أن يأكل ويشرب ويسعد في تعبه.” ورأى أن هذا أيضًا من يد الله، لأن من يستطيع أن يأكل أو يفرح بدون عطية منه؟ فاستنتج أن الحياة هبة من الله، وأن السعادة الحقيقية ليست في الأملاك، بل في قبول بركة الرب وشكر نعمته.
وهكذا انتهى سليمان إلى الحكمة الأعمق: “إن كل شيء باطل تحت الشمس، لكن مع الله، هناك معنى وحكمة لا تُدركها العين.” فختم تأمُّلاته بقوله: “الخوف من الرب هو بداية الحكمة، وطاعته هي غاية الإنسان.”