**قصة من رسالة كولوسي 2: رحلة الإيمان والحرية في المسيح**
في مدينة كولوسي، حيث تلتقي الثقافات وتتنوع الأفكار، كان هناك جماعة من المؤمنين بالمسيح يسوع، يعيشون وسط عالم مليء بالفلسفات المتنوعة والتعاليم البشرية التي تحاول أن تجذبهم بعيدًا عن بساطة الإنجيل. كان بعض المعلّمين الكذبة يدّعون أن الخلاص لا يكتمل إلا باتباع شرائع الناموس وطقوسه، مثل الختان وحفظ الأعياد والاحتفال بالأيام المقدسة. كما كان آخرون يروجون لفكرة أن معرفة أسرار خاصة وعميقة هي التي تقود إلى النضوج الروحي، متناسين أن المسيح هو سرّ الحياة الأبدية.
في وسط هذه التحديات، كتب الرسول بولس، وهو سجين من أجل الإنجيل، رسالة ملتهبة بالإيمان والحكمة، ليذكّر المؤمنين في كولوسي بالكنز الذي يملكونه في المسيح. بدأ كلامه بقوة: **”فإني أريد أن تعلموا أي جهاد لي لأجلكم ولأجل الذين في لاودكية، وجميع الذين لم يروا وجهي في الجسد.”** (كولوسي 2: 1). كان قلبه يشتاق أن يثبتهم في الإيمان، لئلا ينخدعوا بكلام البشر الزائف.
ثم واصل قائلًا: **”لكي تُعزّى قلوبهم، مُتّصلة في المحبة لكل غنى يقين الفهم، لمعرفة سر الله الآب والمسيح.”** (كولوسي 2: 2). أوضح لهم أن كل الحكمة والمعرفة الحقيقية موجودة في المسيح، وليس في الفلسفات البشرية الزائلة. نصحهم ألا يخدعهم أحد بكلام معسول أو حجج بشرية، لأنهم في المسيح قد اكتملوا. **”فإنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديًا، وأنتم مملوءون فيه.”** (كولوسي 2: 9-10). ما أعظم هذا السر! فالمسيح هو الله المتجسد، وهو رأس كل رياسة وسلطان، وهو الذي يمنح المؤمنين كل ما يحتاجونه للنمو والثبات.
ثم حذّرهم بولس من أولئك الذين يحاولون استعبادهم تحت طقوس وشرائع لم يفرضها الله: **”فلا يحكم عليكم أحد في أكل أو شرب، أو من جهة عيد أو هلال أو سبت.”** (كولوسي 2: 16). هذه الأمور كانت ظلًا للأمور العتيدة، أما الحقيقة فهي في المسيح. فلا داعي لأن يعودوا إلى العبودية الروحية بعد أن نالوا الحرية في ابن الله.
وتعمّق بولس أكثر في شرح معنى الختان الحقيقي، قائلًا: **”مدفونين معه في المعمودية، التي فيها أُقِمتم أيضًا معه بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات.”** (كولوسي 2: 12). الختان الذي يهمّ هو ختان القلب، الذي يتمّ عندما يموت الإنسان العتيق مع المسيح ويقوم معه في جدة الحياة.
أما التحذير الأقسى فكان ضدّ الذين يتعاملون مع الروحانيات بتعاليم بشرية، ظانين أن إذلال الجسد وإهمال حاجاته هو طريق القداسة. قال بولس: **”إن كنتم قد مُتّم مع المسيح عن أركان العالم، فلماذا كأنكم عائشون في العالم تفرض عليكم فرائض: لا تمسّ، لا تذق، لا تجسّ؟”** (كولوسي 2: 20-21). هذه التعاليم تبدو كحكمة، لكنها في الحقيقة لا تُقدّم أيّ قيمة روحية حقيقية، لأن النضوج لا يأتي من حرمان الجسد، بل من الشركة مع المسيح.
وأخيرًا، ختم بولس كلامه بصورة قوية، مذكرًا إياهم بأن المسيح قد غلب كل قوة ظلامية على الصليب: **”إذ جَرَّدَ الرياسات والسلاطين، أشهرهم جهارًا، ظافرًا بهم فيه.”** (كولوسي 2: 15). لم يعُد للمؤمنين أن يخافوا من أي قوة روحية شريرة، لأن المسيح قد انتصر، وصار لهم رأسًا وحاميًا.
هكذا عاد المؤمنون في كولوسي إلى جذور إيمانهم، متمسكين بالمسيح وحده، غير منساقين وراء تعاليم بشرية زائفة. عرفوا أنهم في المسيح كاملون، وأن كل كنوز الحكمة والمعرفة مخبوءة فيه. فلم يعودوا عبيدًا للطقوس أو الخوف، بل عاشوا في حرية أبناء الله، شاكرين دائمًا للنعمة التي غمرتهم بها محبة الآب.
وهكذا تبقى رسالة كولوسي 2 نورًا يضيء لكل مؤمن، يذكّره بأن المسيح هو الكفاية، وأن الإيمان البسيط به هو الطريق إلى الحياة الأبدية.