**القصة التفصيلية لرسالة العبرانيين 8: العهد الجديد الذي أقامه المسيح**
في مدينة روما العظيمة، حيث كان المؤمنون الأوائل يتعرضون للاضطهاد والضيق، جلس أحد قادة الكنيسة، وهو معلم روحي عميق الفهم، ليكتب رسالة مشبعة بالحكمة والوحي الإلهي. كانت هذه الرسالة موجهة إلى المؤمنين من أصل يهودي، الذين كانوا يتصارعون مع إيمانهم الجديد في المسيح، بينما كانت تقاليدهم اليهودية تثقل عليهم. أراد الكاتب أن يوضح لهم أن المسيح هو ذروة كل النبوات والطقوس القديمة، وأن العهد الذي أقامه يفوق كل ما سبقه.
بدأ الكاتب بالإشارة إلى العهد القديم، الذي أُعطي لموسى على جبل سيناء، حين نزلت النار من السماء، وارتعش الشعب خوفًا من قداسة الله. كان ذلك العهد مقدسًا، لكنه كان عهدًا مؤقتًا، يشير إلى شيء أعظم سيأتي. فقد قال الله على لسان إرميا النبي: “هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَقْطَعُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَبَيْتَ يَهُوذَا عَهْدًا جَدِيدًا.” (إرميا 31: 31).
ثم انتقل الكاتب ليشرح كيف أن هذا العهد الجديد قد تحقق في شخص الرب يسوع المسيح، الكاهن الأعظم الذي جلس عن يمين العظمة في السماوات. ففي الأيام السابقة، كان الكهنة يخدمون في خيمة أرضية، صنعها البشر، لكن المسيح دخل إلى “الخيمة الحقيقية التي نصبها الرب لا إنسان” (عبرانيين 8: 2). كان خدمة الكهنة في الهيكل ظلًا للخدمة السماوية التي يقدمها المسيح، الذي قدم ذبيحة واحدة كاملة عن خطايا العالم كله.
ثم وصف الكاتب كيف أن العهد القديم، رغم قداسته، كان به عيبٌ واحد: ضعف البشر. فالشعب، مرارًا وتكرارًا، كسر العهد وعصى الوصايا. أما العهد الجديد، فقد كتبه الله مباشرة على قلوب المؤمنين، بواسطة الروح القدس. لم يعد الناموس حروفًا منحوتة على حجر، بل صار حياةً في داخلهم. قال الكاتب: “لأَنَّ هذَا هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أَعْهَدُهُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ بَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ، يَقُولُ الرَّبُّ: أَجْعَلُ نَامُوسِي فِي أَذْهَانِهِمْ، وَأَكْتُبُهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَنَا أَكُونُ لَهُمْ إِلَهًا وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا.” (عبرانيين 8: 10).
ثم ختم الكاتب بالإعلان العظيم: أن العهد القديم، بما فيه من ذبائح وطقوس، كان يشير إلى المسيح، وقد صار عتيقًا وشاخ، وهو يزول. أما العهد الجديد، فهو أبدي، مبني على وعود الله التي لا تتغير. فالمسيح، بموته وقيامته، قد غفر الخطايا مرة واحدة إلى الأبد، وفتح الطريق لمصالحة الإنسان مع الله.
وهكذا، انتهت الرسالة بتشجيع المؤمنين أن يثبتوا في الإيمان، لأنهم لم يعودوا تحت نير العهد القديم، بل صاروا أبناءً لله، يعيشون بالنعمة، وقلوبهم مملوءة بسلام المسيح الذي يفوق كل عقل.