الكتاب المقدس

رحلة بولس البحرية والعاصفة العظيمة

**رحلة بولس البحرية والعاصفة العظيمة**

في تلك الأيام، عندما قرر الحاكم الروماني فستوس إرسال بولس الرسول إلى روما ليُحاكم أمام قيصر، رُكب الجميع على سفينةٍ شراعيةٍ كبيرةٍ كانت متجهةً إلى موانئ إيطاليا. وكان مع بولس بعض السجناء الآخرين، تحت حراسة قائد المئة يوليوس، رجلٌ رومانيٌ يتسم باللطف والاحترام نحو بولس.

انطلقت السفينة من ميناء قيصرية، متجهةً نحو الشمال، مروراً بالموانئ الساحلية. وفي أحد الأيام، توقفوا في صيدا، حيث سمح يوليوس لبولس أن يزور بعض الأصدقاء المؤمنين ليتلقى العناية والمساعدة. ثم استمروا في الإبحار، ولكن الرياح كانت ضدهم، فاضطروا إلى الإبحار قرب جزيرة قبرص لتفادي الرياح العاتية. وبعد أيامٍ من الإبحار الشاق، وصلوا إلى ميرا في ليكية، حيث وجدوا سفينةً إسكندرانية متجهةً إلى إيطاليا، فانتقلوا إليها.

لكن الرحلة لم تكن سهلة، فالرياح كانت هادئةً في البداية، ثم ما لبثت أن تحولت إلى عاصفةٍ عاتية. وهبت رياحٌ شرقيةٌ شديدةٌ تسمى “يوروكليدون”، فبدأت الأمواج العالية تضرب السفينة بقوة، حتى أن البحارة اضطروا إلى ربط السفينة بحبالٍ قويةٍ لمنعها من التفتت. وفي اليوم التالي، كان الخطر يحيط بهم من كل جانب، فألقوا جزءاً من الحمولة في البحر لتخفيف وزن السفينة. وفي اليوم الثالث، رموا حتى أدوات السفينة بأيديهم.

ولم تظهر الشمس ولا النجوم لعدة أيام، والرياح لم تكف عن الهبوب، حتى فقد الجميع الأمل في النجاة. وكان الجوع والتعب يضربانهم، حتى أن بولس وقف في وسطهم وقال: “يا رجال، كان عليكم أن تسمعوا لي ولا تغادروا من كريت، فكنتم ستتجنبون هذا الخطر والضرر. ولكن الآن أشجعكم، لأن ملاك الرب وقف بي الليلة وقال لي: ‘لا تخف يا بولس، فإنك سوف تقف أمام قيصر، وقد منحك الله كل الذين في السفينة.’ لذلك ثقوا بالله، لأن كل ما قاله سيتم. ولكن السفينة سوف تتحطم على جزيرةٍ ما.”

وبعد أربعة عشر يوماً من التيه في البحر، وفي منتصف الليل، شعر البحارة أنهم يقتربون من اليابسة. وعندما قاسوا عمق الماء، وجدوه يقل تدريجياً، فخافوا أن تصطدم السفينة بالصخور، فألقوا أربعة مراسٍ من المؤخرة، وتمنوا مجيء النهار. ولكن بعض البحارة حاولوا الهروب باستخدام قارب النجاة، فقام بولس وقال لقائد المئة والجنود: “إن لم يبق هؤلاء في السفينة، فلا يمكنكم أن تنجوا.” عندئذٍ قطع الجنود حبال القارب وتركوه يسقط في البحر.

وقبيل الفجر، حث بولس الجميع على تناول الطعام، فقال: “اليوم هو اليوم الرابع عشر وأنتم تنتظرون بلا طعام. فلتأكلوا لتتقووا، لأن لا شعرة من رؤوسكم سوف تسقط.” ثم أخذ خبزاً، وشكر الله أمام الجميع، وكسر وأكل. فتشجع الجميع وأخذوا يأكلون. وكانوا على السفينة مئتان وستة وسبعون نفساً. وعندما شبعوا، ألقوا بالقمح في البحر لتخفيف السفينة أكثر.

وعندما أشرق النهار، رأوا أرضاً لم يعرفوها، فحاولوا توجيه السفينة نحو شاطئٍ رملي. ولكن السفينة علقت على مكانٍ بين بحرين، فصدمتها الأمواج بقوةٍ حتى بدأت تتكسر. عندئذٍ، اقترح الجنود قتل السجناء لئلا يهرب أحد، ولكن قائد المئة يوليوس، الذي أراد إنقاذ بولس، منعهم من ذلك، وأمر كل من يستطيع السباحة أن يقفز إلى البر أولاً. أما الباقون، فاستخدموا ألواحاً من السفينة وحطامها للوصول إلى الشاطئ. وهكذا، نجا الجميع كما وعد الله بولس.

وعندما وصلوا إلى الجزيرة، عرفوا أنها اسمها مالطة، فاستقبلهم أهلها بلطفٍ وأشعلوا ناراً لتدفئتهم بسبب المطر والبرد. وهناك، حدثت معجزاتٌ عظيمةٌ على يد بولس، إذ لم يصب أحدٌ بأذى رغم لدغة أفعى سامة، وشفى كثيرين من أمراضهم. وبعد ثلاثة أشهر، ركبوا سفينةً أخرى وانطلقوا نحو روما، حيث ستتحقق نبوة الله.

وهكذا، في خضم العاصفة واليأس، ظهرت قدرة الله وحفظه لعبده الأمين بولس، الذي كان شاهداً للإنجيل حتى في أصعب الظروف.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *