الكتاب المقدس

رؤيا زكريا المركبات الأربع والخادم المنتظر

**رؤيا زكريا: المركبات الأربع والخادم المنتظر**

في السنة الثانية من حكم الملك داريوس، وقف النبي زكريا بين يدي الرب، قلبه ممتلئًا بالأسئلة والرهبة. كان الشعب العائد من السبي ما يزال يبني الهيكل، وقلوبهم تترنح بين الرجاء والخوف. وفي تلك الأيام، أعلن الرب كلمته لزكريا برؤيا عظيمة تبعث اليقين في النفوس.

**الرؤيا العظيمة**

وبينما كان زكريا يصلي في هدوء الليل، انفتحت السماوات أمام عينيه، ورأى جبلين عظيمين من النحاس، كأنهما حارسان أبديان لقدرة الله. ثم فجأة، من بين الجبلين، ظهرت أربع مركبات مهيبة، تجرها خيول قوية. كانت المركبات تلمع كالنار في وهج الشمس، وكأنها صُنعت من لهيب مقدس.

المركبة الأولى كانت تجرها خيول حمراء كالدم، ترمز إلى الدينونة والحرب. والثانية سوداء كالليل، تذكر بزمن المجاعة والضيق. أما الثالثة فخيولها بيضاء كالثلج، علامة النصر والطهارة. والرابعة كانت خيولها رمادية مبرقشة، تحمل في لونها غموض الأقداس الإلهية.

فسأل زكريا الملاك الذي كان يتراءى له: “يا سيدي، ما هذه؟” فأجابه الملاك: “هذه هي رياح السماوات، تخرج بعد أن تقف أمام رب كل الأرض، لتنفذ مشيئته في كل اتجاه.” ثم أشار إلى الخيول السوداء التي تتجه نحو أرض الشمال، فقال: “انظروا، هذه تذهب إلى أرض الشمال حيث يستقر الغضب، لتنفذ قضاء الرب على الأعداء.”

**تاج يوشع والرمز العظيم**

ولم تنته الرؤيا عند هذا الحد، بل ظهر صوت الرب لزكريا قائلًا: “خذ من السبي، من حِلداي وتوبيا ويدعيا، واذهب إلى بيت يوشيا بن صفنيا الذي جاء من بابل.” ففعل زكريا كما أمر، وأخذ منهم فضة وذهبًا، وصنع تاجًا فاخرًا. ثم قال الرب: “ضعه على رأس يوشع بن يهوصادق، الكاهن العظيم.”

وهناك، أمام الشعب، وضع التاج على يوشع كعلامة نبوية عظيمة، ونطق زكريا بالكلمات التي أرسلها الرب: “هكذا يقول رب الجنود: هوذا الرجل الغصن اسمه، ومن مكانه ينبت ويبني هيكل الرب. فهو يبني الهيكل، وهو يحمل الجلال، ويجلس ويسود على كرسيه، ويكون كاهنًا على كرسيه، وتكون مشورة السلام بينهما.”

**الوعد بالمسيا الآتي**

لقد كانت هذه النبوة تحمل في طياتها وعدًا إلهيًا عظيمًا: فالكاهن والملك سيتحدان في شخص واحد، هو “الغصن” الذي سيأتي من نسل داود، ليجمع بين السلطان المقدس والكهنوت الأبدي. كان هذا رمزًا للمسيّا المنتظر، الذي سيكون ملكًا وكاهنًا، ويحقق المصالحة بين الله والإنسان.

وبينما كان الشعب ينظر إلى يوشع بالتاج، كان الرب يعدهم بملك أعظم، سيأتي ليس بحرب مركبات، بل بسلام المحبة والفداء. وهكذا، اختتمت الرؤيا، لكن رجاءها بقي حيًا في القلوب، ينتظر اليوم الذي فيه يتمم الله وعده بالكامل.

**ختام الرؤيا**

وعاد زكريا إلى الشعب يحمل هذه الكلمات كالنور في الظلمة، ليذكّرهم أن الله لم ينسَ عهده، وأن مركباته تسير في العالم لتحقيق قصده. فمهما اشتدت الظروف، فإن الخادم المنتظر آتٍ، وسيكون بناؤه أبديًا، وملكوته لا ينتهي.

وهكذا، بقيت هذه النبوة شعلة رجاء تشع في تاريخ شعب الله، حتى جاء المسيح، الكاهن والملك، الذي حقق الوعد الإلهي، وجعل من هيكل جسده مكانًا للقاء بين السماء والأرض.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *