**قصة من سفر التثنية: اختيار شعب الله المقدس**
في تلك الأيام القديمة، عندما وقف موسى، النبي العظيم، أمام بني إسرائيل عند مشارف أرض الموعد، كانت كلمات الرب تملأ فمه بقوة وحكمة. كانت الشمس تميل نحو الغروب، وتنعكس أشعتها الذهبية على وجوه المئات الذين تجمعوا لسماع كلام الرب. كان الجو مشحوناً بالرهبة، لأنهم كانوا على وشك دخول أرضٍ وعدهم الله بها منذ زمن بعيد.
رفع موسى صوته الجهوري وقال: “اسمعوا يا بني إسرائيل! اليوم يتكلم الرب إلهكم معكم. هو يختاركم من بين كل شعوب الأرض ليكونوا له شعباً خاصاً مقدساً.” صمتت الجماعة، وعلت وجوههم علامات التعجب والرهبة. كيف يكونون شعباً خاصاً، وهم الذين عانوا سنوات العبودية في مصر؟
أكمل موسى: “ليس لأنكم أكثر الشعوب عدداً أو قوة قد اختاركم الرب، بل لأنه يحبكم، ولأنه قد أتمّ القسم الذي أقسمه لآبائكم إبراهيم وإسحاق ويعقوب.” كانت كلماته تذكرهم بالنعمة الإلهية التي لا تعتمد على استحقاقهم، بل على محبة الله الأبدية.
ثم حذّرهم موسى قائلاً: “عندما يدخلكم الرب إلى الأرض التي ستمتلكونها، سيطرد شعوباً عظيمة أمامكم: الحثيين والجرجاشيين والأموريين والكنعانيين والفرزيين والحويين واليبوسيين، سبع أمم أعظم وأقوى منكم. فلا تقطعوا معهم عهداً، ولا ترحموهم!”
ارتجف بعض المستمعين عند سماع هذه الكلمات، لأنهم تذكروا كيف أن آباءهم زاغوا وراء آلهة تلك الشعوب من قبل. لكن موسى أكد لهم: “لا تصاهرونوهم. لا يزوجوا بناتكم لبنيهم، ولا يأخذوا بناتهم لبنيكم، لأنهم سيضلون أبناءكم عن عبادة الرب، ويجعلونهم يعبدون آلهة أخرى. عندها سيشتعل غضب الرب عليكم ويهلككم سريعاً.”
ثم أردف موسى بصوت ملؤه اليقين: “بل هكذا تفعلون بهم: تهدمون مذابحهم، وتكسّرون أنصابهم، وتقطعون سواريهم، وتحرقون تماثيلهم بالنار. لأنكم شعب مقدس للرب إلهكم، وهو قد اختاركم لتكونوا له خاصة من بين كل الشعوب التي على وجه الأرض.”
ساد صمت عميق، ثم تابع موسى موضحاً بركة الطاعة: “إن سمعتم هذه الأحكام وحفظتموها وعملتم بها، يحفظ لك الرب العهد والإحسان الذي أقسم لآبائك. فيحبك ويباركك ويكثرك، ويبارك ثمرة بطنك وثمرة أرضك: قمحك وخمرك وزيتك، ونتاج بقرك وغنمك، في الأرض التي أقسم لآبائك أن يعطيك إياها.”
وتحت ضوء الشمس الغاربة، اختتم موسى كلامه بتذكيرهم بقوة الرب: “لا تقل في قلبك حينما يطردهم الرب من أمامك: ‘ببرّتي أدخلني الرب لامتلاك هذه الأرض.’ لا، بل لهلاك هؤلاء الشعوب يدخلك الرب. إنه لأجل شرورهم يطردهم الرب من أمامك، ولكي يُتمم الكلام الذي أقسمه الرب لآبائك.”
هكذا وقف الشعب متأملاً في عظمة اختيار الله لهم، وفي مسؤوليتهم كشعب مقدس. وعرفوا أن النصر لا يأتي بقوتهم، بل بيد الرب القوية التي تقودهم إلى الأرض الموعودة.