**قصة إعادة بناء سور أورشليم: سفر نحميا الأصحاح الثالث**
في تلك الأيام، عندما عاد نحميا، ساقي الملك، إلى أورشليم بعد أن نال بركة من الملك أرتحشستا، كان قلبه مليئًا بالحماسة لرؤية مدينة الله تُبنى من جديد. كان السور مهدمًا، والأبواب محروقة بالنار، والشعب تحت تهديد الأعداء من كل جانب. لكن نحميا، بروح الإيمان والعزيمة، بدأ العمل العظيم الذي دُوّن في سفر نحميا الأصحاح الثالث.
### **البداية المباركة**
في فجر يوم مشرق، تجمع رجال أورشليم وقادتها، كلٌ من سبط يهوذا وبنيامين، وكهنة اللاويين، وحتى عامة الشعب، ليشرعوا في بناء السور. نحميا وقف أمامهم، يرفع يديه نحو السماء، مصليًا: “يا رب، إله السماء العظيم المخوف، احفظنا وبارك عمل أيدينا، ولتكن هذه المدينة المقدسة محصنة لمجد اسمك!”
بدأ العمل من باب الضأن في الشمال، حيث قام ألياشيب الكاهن العظيم وإخوته الكهنة ببناء هذا الباب. قدّسوه للرب وحملوا أحجاره على أكتافهم، وكأنهم يقدمون ذبيحة حية لله. ثم شدوا الحبال وثبتوا الدعائم، وكل ذلك وسط تسبيحات وترانيم تملأ الأجواء.
### **عمل الجميع بقلب واحد**
لم يكن العمل مقصورًا على القادة أو الكهنة، بل شارك فيه الجميع بفرح. جاء رجال أريحا فبنوا الجزء التالي، ورجال تقوع عملوا بجد، لكن نبلاءهم رفضوا أن يحملوا نير العمل مع سيدهم. لكن عامة الشعب لم يتوقفوا، بل واصلوا البناء بإخلاص.
وفي الجهة الجنوبية، قام مردخاي بن أوريًا من بيت هاقص ببناء جزء من السور بقوة وعزم. كان كل عامل يبني مقابل بيته، وكأنهم يبنون لا فقط سور المدينة، بل أيضًا سور الإيمان حول عائلاتهم. النساء أيضًا ساعدن في حمل الأحجار والمؤن، والأطفال كانوا يجمعون الماء للبنائين، فكانت الصورة مؤثرة للغاية.
### **التحديات والإصرار**
لكن الأعداء، وهم سنبلط الحوروني وتوبيا العموني وجشم العربي، سمعوا بالعمل فسخروا من بني إسرائيل قائلين: “ما هذا العمل الضعيف؟ هل يعيدون بناء السور؟ لو صعد ثعلب عليه لانهار!” لكن نحميا لم ييأس، بل صلى وقال للشعب: “اسمعوا يا إخوتي، الرب العظيم سيقاتل عنا. فلنواصل العمل!” فازداد الشعب حماسة، وكل يد تعمل بلا خوف.
بنى الكاهنون جزءًا آخر مقابل بيوتهم، ورجال السهل عملوا على بوابة السمك، حيث كان التجار يدخلون ببضائعهم. قاموا بتركيب أخشاب الأرز وثبتوا المزاليج، وكأنهم يعدون المدينة لاستقبال بركات الرب. أما بنو حسناة، فبنوا بوابة الوسط، وكل حجر كان يوضع بتسبيح.
### **الانتهاء بالمثابرة**
استمر العمل يومًا بعد يوم، تحت الشمس الحارقة والرياح العاتية. لكن إرادة الشعب كانت أقوى. بنى بعضهم أمام قبور داود، وآخرون عند بركة السلوان، حيث تذكر الجميع كيف أن الرب هو مصدر المياه الحية. حتى الذهب والفضة لم يمنعا بعض الأغنياء من المشاركة، مثل شمعون الرئيس، الذي بنى جزءًا كبيرًا بسخاء.
وأخيرًا، بعد أيام من الجهد المتواصل، اكتمل السور. وقف نحميا على أحد الأبراج، ينظر إلى المدينة المقدسة وقد عاد لها مجدها. كانت الأبواب الجديدة تلمع تحت أشعة الشمس، والسور الشاهق يحمي الشعب كرمز لعناية الله. رفع نحميا صوته بالشكر: “احمدوا الرب، لأنه صالح، ولأن رحمته إلى الأبد!”
وهكذا، بتعاون الجميع وإيمانهم، تمت أعمال البناء، وصارت أورشليم شهادة لعظمة الله، الذي يقوي يد عامليه ويبارك مساعيهم.