الكتاب المقدس

شفاء اليد اليابسة وتحدي الفريسيين في السبت

**قصة شفاء الإنسان ذي اليد اليابسة وتحدي الفريسيين**

في أحد أيام السبت، دخل يسوع إلى المجمع، وكان هناك رجل يده يابسة، لا يقدر أن يحركها أو يستخدمها في شيء. وكان الفريسيون يراقبون يسوع بدقة ليروا هل سيشفي هذا الرجل في السبت، حتى يجدوا سببًا ليتهموه.

فوقف يسوع في وسط المجمع، ونظر حوله بعينين مليئتين بالرحمة والحكمة. كان يعلم ما يدور في قلوبهم من شرور وتخطيط ضده، لكنه لم يخشَ وجوههم. ثم قال للرجل ذي اليد اليابسة: **”قُمْ وَقِفْ فِي الْوَسْطِ!”** فنهض الرجل ووقف أمام الجميع، ويده المشلولة معلقة بجانبه.

ثم التفت يسوع إلى الفريسيين وقال لهم: **”أَيُّ شَيْءٍ يَحِلُّ فِي السَّبْتِ: أَنْ يُفْعَلَ خَيْرٌ أَمْ شَرٌّ؟ أَنْ تُخَلَّصَ نَفْسٌ أَمْ تُهْلَكَ؟”** فسكتوا جميعًا، لأنهم عرفوا في داخلهم أن الشفاء عمل صالح، حتى لو كان في يوم السبت.

فنظر إليهم يسوع بغضب، حزينًا على قسوة قلوبهم، ثم قال للرجل: **”مُدَّ يَدَكَ!”** فمد الرجل يده، وإذا بها تصبح صحيحة كاليد الأخرى، قوية وسليمة! فاندهش الحاضرون، وامتلأ بعضهم غيظًا، بينما امتلأ آخرون رهبةً من قوة الله الظاهرة في يسوع.

ولكن الفريسيين لم يروا في هذه المعجزة إلا فرصة للاتفاق مع أتباع هيرودس على كيفيه القبض على يسوع والتخلص منه. فخرجوا من المجمع مسرعين، وبدأوا يتآمرون معًا. أما يسوع، فانصرف مع تلاميذه إلى البحر، حيث تبعه جمع غفير من الناس من الجليل، ومن اليهودية، ومن أورشليم، ومن أدومية، ومن عبر الأردن، ومن صور وصيدا. جاءوا إليه لأنه سمعوا بكل ما يعمله من معجزات وقوات.

وكان الجمع كبيرًا جدًا، حتى أن يسوع طلب من تلاميذه أن يُعِدّوا له قاربًا صغيرًا لئلا يزحموه، لأن كثيرين كانوا يلمسونهم طلبًا للشفاء. وكانت الأرواح النجسة، عندما تراه، تسقط أمامه وتصرخ قائلة: **”إِنَّكَ أَنْتَ ابْنُ اللهِ!”** فكان ينتهرها بشدة ألا تظهره.

ثم صعد يسوع إلى الجبل ودعا الذين أرادهم، فجاءوا إليه. واختار منهم اثني عشر ليكونوا معه، ويرسلهم ليكرزوا، ويكون لهم سلطان على شفاء الأمراض وإخراج الشياطين. وهؤلاء الاثنا عشر هم: سمعان الذي سماه بطرس، ويعقوب بن زبدي ويوحنا أخوه (وقد دعاهما بوانرجس، أي ابني الرعد)، وأندراوس، وفيلبس، وبرثولماوس، ومتى، وتوما، ويعقوب بن حلفى، وتداوس، وسمعان القانوي، ويهوذا الإسخريوطي الذي أسلمه.

وبعد ذلك، رجع يسوع إلى البيت، فاجتمع حوله مرة أخرى جمع كثير، حتى لم يقدروا ولا على أكل خبز. ولما سمع أقرباؤه، خرجوا ليمسكوه، لأنهم ظنوه قد جنّ، فقد قال الكتبة الذين جاءوا من أورشليم: **”إن معه بعلزبول، وبرئيس الشياطين يخرج الشياطين!”**

فدعاهم يسوع وقال لهم بأمثال: **”كيف يقدر شيطان أن يخرج شيطانًا؟ فإن قامت مملكة على ذاتها انقسمت، فلا تقدر تلك المملكة أن تثبت. وإن انقسم الشيطان على ذاته، لا يقدر أن يثبت بل يكون له انقضاء. لا يستطيع أحد أن يدخل بيت القوي وينهب أمتعته إلا إذا قيد القوي أولاً، وحينئذ ينهب بيته.”**

ثم أضاف بلهجة جادة: **”الحق أقول لكم: إن جميع الخطايا تغفر لبني البشر، والتجاديف التي يجدفونها، ولكن من يجدف على الروح القدس فليس له مغفرة إلى الأبد، بل هو مستوجب دينونة أبدية.”**

لأنهم قالوا: **”إن معه روحًا نجسًا.”**

وفي تلك الأثناء، وصلت أمه وإخوته ووقفوا خارج البيت يطلبونه. فأخبره أحد الجالسين: **”هوذا أمك وإخوتك خارجًا يطلبونك!”**

فأجابهم يسوع قائلاً: **”من هم أمي وإخوتي؟”** ثم نظر حوله إلى الجالسين وقال: **”ها أمي وإخوتي! لأن من يصنع مشيئة الله هو أخي وأختي وأمي.”**

وهكذا، بينما كان الفريسيون يتآمرون ضده، وأقرباؤه يظنون به ظن السوء، كان يسوع يؤسس ملكوت الله بين الذين قبلوه وآمنوا به. فكانت كلماته نورًا للحائرين، وشفاءً للمرضى، ورجاءً للخطاة.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *