الكتاب المقدس

النحيب والأمل: تعزية من مراثي إرميا 3

**النحيب والأمل: قصة تعزية من مراثي إرميا 3**

في أيام الحزن العظيم، عندما سقطت أورشليم تحت دينونة الرب، جلس إرميا النبي بين الأنقاض ينظر إلى الدمار من حوله. كانت المدينة التي كانت يوماً عروس المدن قد تحولت إلى خراب. الحجارة السوداء من أثر النيران، والبيوت المهدمة، والشوارع الخاوية إلا من صراخ الثكالى والأيتام. في وسط هذا المشهد المؤلم، رفع إرميا قلبه إلى الرب وكتب كلمات تفيض بالألم، ولكنها أيضاً تحمل بصيصاً من الرجاء.

### **الظلام الذي يلف النفس**

بدأ إرميا يصف حالته قائلاً:

“أنا الرجل الذي رأى البؤس بضربات عصا غضبه. قد ساقني وجعلني أسير في الظلام لا في النور. إنه قد أدار يده عليّ كل النهار. أذبل لحمي وجلدي، وكسر عظامي.”

كان يشعر وكأن الرب قد صار عدواً له. كل خطوة كان يخطوها كانت مؤلمة، كمن يمشي في وادٍ مظلم لا نهاية له. حتى صلاته بدت وكأنها تصطدم بسقف من حديد. “أحاط بي وسد طريقي، جعل سبلي معوجة. كان كمختبئ كدب، كأسد في كمين.”

لم يكن هناك مفر من الألم، فقد أحاط به من كل جانب. حتى أقرب الناس إليه هجروه، وصاروا يسخرون منه. “جعلني مثلاً للشعب، هدفاً للسهام في كل وقت. أشبعني مراراً، سقاني العلقم.”

### **الذكرى التي أنارت الظلام**

لكن في وسط هذا اليأس، توقف إرميا ليتذكر. تذكر أن الرب لم ينسَ رحمته. فقال في نفسه:

“أذكر مشقتي وتشويشي، العلقم والعلقم. إنما أذكر هذا، فلي عندي رجاء. إن مراحم الرب لا تنقطع، لا تفنى إحساناته. هي جديدة في كل صباح. عظيم هو أمانك.”

فجأة، كأن نوراً اخترق الظلام. تذكر أن الرب أمين، حتى في التأديب. نعم، هو يغضب، لكن غضبه لا يدوم إلى الأبد. “لأن الرب لا يرفض إلى الدهر. بل إن أحزن، فإنه يرحم حسب كثرة رحمته.”

### **الدعوة إلى التوبة والرجاء**

ثم وجه إرميا كلامه إلى كل من يسمعه، نادياً إياهم إلى التواضع والتوبة:

“لنفحص طرقنا ونختبرها، ولنرجع إلى الرب. لنرفع قلوبنا مع أيدينا إلى الله في السماوات. نحن أثمنا وعصينا، وأنت لم تغفر.”

لكنه عاد ليؤكد أن الرب يسمع صرخة التائبين. “دعوت اسمك يا رب من الجب العميق. سمعت صوتي، فلا تغلق أذنك لتنفسي ولصراخي. تقربت في يوم دعوتني، وقلت: لا تخف.”

### **العدل الإلهي والثقة به**

اختتم إرميا كلماته بتذكير الشعب بأن الرب عادل وسيدين أعداءه. “ستجازيهم يا رب حسب عمل أيديهم. ستعطيهم جلدة القلب، لعنتك لهم. ستتبعهم بالغضب وتفنيهم من تحت سماوات الرب.”

لكن في المقابل، سيكون ملجأً لحزانى القلب الذين يلجأون إليه. “الرب صالح لنفس تنتظره، للنفس التي تطلبه.”

وهكذا، في وسط الدمار، وجد إرميا عزاءه في رحمة الرب التي لا تنقطع. فمهما اشتدت الضربات، يبقى الأمل موجوداً لمن يتكل على الله. لأن الرب، وإن أدب، فإنه يحنو. وإن أظلمت الدنيا، فإن نور رحمته يشرق مع كل فجر جديد.

**الخاتمة**

وهكذا تعلم شعب الله أن الدموع لا تدوم إلى الأبد، وأن وراء كل ألم حكمة إلهية. ففي النهاية، “إن كان قد حزن، فسوف يرحم حسب كثرة رحمته.” فليتكل كل حزين على الرب، لأنه هو الملجأ والحصن في يوم الضيق.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *