**قصة من سفر إشعياء: الأصحاح 57**
في أيامٍ قديمة، عندما كانت مملكة يهوذا تتأرجح بين الولاء لله والانجرار وراء أصنام الأمم المجاورة، تنبأ النبي إشعياء بكلماتٍ ثقيلة، تحمل في طياتها تحذيرًا شديدًا وعتابًا مؤلمًا، لكنها لم تخلُ من رحمة ورجاء.
كان الشعب قد انحرف عن طريق الرب، وترك وصاياه، فساد بينهم الظلم والفساد، حتى أن الأبرار بينهم كانوا يُنتزعون من الأرض دون أن يُلاحظ أحد. “الصدّيق يموت، ولا أحد يضع ذلك في قلبه، والرجال الأتقياء يُجمعون دون أن يُدرك أحد أن البار يُؤخذ من الشر الآتي” (إشعياء 57: 1). لكن الله، في رحمته، كان يُبعد الأبرار عن المصير المرير الذي ينتظر الأشرار.
أما الأشرار، فقد انغمسوا في عبادة الأوثان، وتركوا الرب إله آبائهم. كانوا يذبحون للأصنام على الجبال العالية، ويقدمون القرابين تحت كل شجرة خضراء. “على جبل عالٍ مرتفعٍ وضعتِ فراشك، وصعدتِ هناك لتقدّمي ذبيحة” (إشعياء 57: 7). لقد خانوا العهد مع الله واتجهوا إلى آلهة باطلة، ظانين أنهم يجدون فيها القوة والخلاص.
لكن الرب، بفمه المقدس، كشف عن حقيقة أمرهم: “بسفرك الطويل تعبتِ، لكنكِ لم تقولي: ‘لا رجاء!'” (إشعياء 57: 10). لقد سعوا وراء الملذات والتحالفات مع الأمم الوثنية، ظانين أنهم بذلك يحمون أنفسهم، لكنهم في الحقيقة كانوا يجرّون الدمار على رؤوسهم. “من تخافين وتجزعين حتى تكذبين، ولا تذكرينني ولا تضعينني على قلبك؟” (إشعياء 57: 11). لقد نسوا أن الله هو مصدر قوتهم الوحيد، واتكلوا على حيلهم الباطلة.
لكن الرب، في محبته التي لا تنتهي، لم يتركهم دون رجاء. وسط الكلمات القاسية التي كشفت عن خطاياهم، أعلن أيضًا عن غفرانه للذين يتوبون: “لأني لا أخاصف إلى الأبد، ولا أغضب إلى الدهر” (إشيعاء 57: 16). هو يعلم ضعف البشر، ويعرف أن الروح تنهار أمام غضبه، لذلك يعدهم بالرحمة إذا ما رجعوا إليه بقلب منسحق.
ثم يعلن الرب وعدًا عظيمًا للمتواضعين والمنكسرين: “أُحيي روح المنكسري، وأُحيي قلب المنسحقي” (إشعياء 57: 15). الله العلي، ساكن الأبد، القدوس، الذي يسكن في العلى، ينزل ليشفي القلوب المجروحة، ويُعزّي النفوس الحزينة. هو لا يرفض التائب، بل يقبله بذراعيه المفتوحتين.
لكن للذين يتمسكون بشرهم، ويصرّون على عصيانهم، يكون الغضب: “أما الأشرار فهم كبحر مضطرب، لأنه لا يستطيع أن يهدأ، وتقذف مياهه وحلًا وطينًا” (إشعياء 57: 20). لا سلام للخطاة، لأنهم بعيدون عن مصدر السلام الحقيقي.
هكذا كانت كلمات إشعياء تتردد في أذن الشعب، تارةً كصوت دينونة قاسية، وتارةً كهمس رحمة وحنان. فهل يسمعون؟ هل يتوبون؟ الجواب كان بين أيديهم، لأن الرب ينتظر العائدين إليه، ليغسل خطاياهم ويجعلهم شعبًا مقدسًا له.
**النهاية.**