**قصة إرميا النبي وتوبيخ الرب لشعبه**
في تلك الأيام القديمة، عندما كانت أورشليم لا تزال قائمة في بهائها، لكن قلوب أهلها قد ابتعدت عن الرب، وقف إرميا النبي في الساحات والأزقة، ينادي بكلمة الرب التي أُوحيَت إليه. كان صوتُه حزينًا لكنه ثابت، كالرعد الذي يسبق المطر الغزير. فقد كلَّمه الرب قائلًا:
“اذهب ونادِ في مسامع أورشليم: هكذا يقول الرب: قد تذكرتُ لكِ إخلاصَ صباكِ، ومحبةَ خطبتكِ، حينَ تبعتِني في البرية، في أرضٍ غير مَزروعة. قدسٌ كان إسرائيل للرب، باكورةُ غلَّته. كل الذين يأكلونه يُذنبون، بؤسٌ يأتي عليهم، يقول الرب.”
كانت كلمات الرب تُحرك مشاعر إرميا، فاستمر في تبليغ الرسالة بحزن عميق:
“اسمعوا كلمة الرب يا بيت يعقوب، وكل عشائر إسرائيل! هكذا يقول الرب: ماذا وجد آباؤكم فيَّ من إثم حتى ابتعدوا عني، وساروا وراء الباطل وصاروا باطلًا؟ ولم يقولوا: أين الرب الذي أصعدنا من أرض مصر، الذي سار بنا في القفر، في أرض قفرٍ وحفر، في أرض يابسة وظل موت، في أرضٍ لم يعبرْ فيها إنسانٌ ولا سكنها بشر؟”
كانت الذكريات تتدفق كالنهر الجارف. فقد أحضرهم الرب إلى أرضٍ خصبة، يأكلون ثمارها وخيراتها، لكنهم تنجَّسوا بالأصنام.
“وأتيتُ بكم إلى أرض البساتين، لتأكلوا ثمرها وخيرها، فدخلتم ونجَّستم أرضي، وجعلتم ميراثي رجسًا. الكهنة لم يقولوا: أين الرب؟ وحملة الشريعة لم يعرفوني، والرعاة عصَوا عليَّ، والأنبياء تنبأوا بالبعل، وساروا وراء ما لا ينفع!”
كانت عيني إرميا تدمعان وهو يتذكر كيف ترك شعبه ينبوع المياه الحية، وحفروا لأنفسهم آبارًا مشققة لا تضبط ماءً.
“لأن شعبي عمل شرين: تركوني أنا ينبوع المياه الحية، لينقروا لأنفسهم آبارًا، آبارًا مشققة لا تضبط ماءً!”
ثم اتجه الرب بكلامه إلى الأمم، سائلًا إياهم إن كانوا قد رأوا مثل هذا الخيانة:
“اجتزِ إلى جزائر كتيم وانظروا، وأرسلوا إلى قيدار وتأملوا كثيرًا، وانظروا هل عمل مثل هذا؟ هل بدَّلت أمةٌ آلهتها وهي ليست بآلهة؟ أما شعبي فقد بدَّل مجده بما لا ينفع!”
كانت الصورة مروعة: أمة اختارت العبودية بدل الحرية، والظلمة بدل النور.
“اِندهشوا أيها السماوات من هذا، واقشعرِّي واخزي جدًا، يقول الرب. لأن شعبي تركني، أنا الذي أُفيضُ المياه العذبة، ويصنعون لأنفسهم آبارًا مكسورة!”
ثم تذكر الرب كيف أنهم، رغم كل خطاياهم، ما زالوا يزعمون أنهم أبرياء:
“لم تغسلين بالملح، ولا عَصَّرْتِ عليكِ صودًا لتطهيركِ من دَنَسكِ. ومع هذا تقولين: إني بريئة! حقًا قد ارتدَّ غضبي عنكِ!”
وفي النهاية، حذَّرهم الرب من العواقب إن استمروا في غيهم:
“انظري إلى طرقكِ في الوادي، اعرفي ما الذي فعلتِ. ناقةٌ خفيفةٌ معتادةُ السير، تضلُّ في طرقها. أتانٌ بريةٌ اعتادت الهواء، في شهوة نفسها تلهث. من يردُّها؟ كل الذين يطلبونها لا يتعبون، في شهرها يجدونها!”
لكن الشعب لم يسمع، واستمر في عناده. وهكذا ظل إرميا ينادي، لكن القلوب كانت قد قست، والعيون أغمضت عن الحق.
وهكذا تُركت أورشليم لمواجهة دينونة الرب، لأنها فضَّلت الباطل على الحق، والظلمة على النور.
**النهاية.**