الكتاب المقدس

إرميا والسربال الفاسد: تحذير الرب ليهوذا

**قصة إرميا 13: السِّرْبَالُ الفاسد والرسالة النبوية**

في مدينة عناتوت، حيث الهواء يعبق برائحة الزيتون وأوراق التين اليابسة، وقف النبي إرميا في حقلٍ منعزل تحت سماءٍ تميل إلى اللون البرتقالي مع غروب الشمس. كان الرب قد كلّمه بكلماتٍ ثقيلة، كلمات تحمل في طياتها تحذيرًا شديدًا لشعب يهوذا الذي كان قد ابتعد عن عهد الله واتجه إلى عبادة الأوثان.

أمر الرب إرميا أن يأخذ سِرْبَالًا كتانيًا جديدًا، من تلك التي تُلبس ملاصقة للجسد دون غسل، علامة على النقاء والاختيار. اشترى إرميا السربال كما أُمر، وكان ناعم الملمس، أبيض اللون، يلمع تحت أشعة الشمس كعلامة على قداسة الشعب الذي اختاره الرب لنفسه. ثم قال الرب له: “اذْهَبْ إِلَى الْفُرَاتِ وَاخْبِئْهُ هُنَاكَ فِي شَقِّ صَخْرَةٍ”.

فذهب إرميا في رحلة شاقة، عبر الجبال والوديان، حتى وصل إلى نهر الفرات البعيد. هناك، في مكانٍ خفيّ بين الصخور، دفن السربال كما أمره الرب. تركَه وذهب، ومرت الأيام والأسابيع، والشمس والمطر تعاقبت على المكان حتى فسد السربال وصار بلا فائدة، ممزقًا متآكلًا.

بعد أيامٍ كثيرة، عاد الرب إلى إرميا وقال له: “قُمِ اذْهَبْ إِلَى الْفُرَاتِ وَخُذِ السِّرْبَالَ الَّذِي أَمَرْتُكَ أَنْ تَخْبِئَهُ هُنَاكَ”. فعاد إرميا إلى ذلك المكان البعيد، وحفر بين الصخور حتى وجد السربال الذي كان يومًا أبيضَ نقيًا، لكنه الآن قد صار باليًا، متعفنًا، لا يصلح لشيء.

عندها تكلّم الرب بصوتٍ حزين لكنه جازم: “هكذا سَأُفْسِدُ كِبْرِيَاءَ يَهُوذَا وَكِبْرِيَاءَ أُورُشَلِيمَ الْعَظِيمَةِ. هذَا الشَّعْبُ الشِّرِّيرُ الَّذِي يَرْفُضُ اسْتِمَاعَ كَلاَمِي، وَيَسِيرُ وَفْقَ عِنَادِ قُلُوبِهِمْ، وَيَعْبُدُ آلِهَةً أُخْرَى وَيَسْجُدُ لَهَا، سَيَصِيرُ كَهذَا السِّرْبَالِ الَّذِي لاَ يَصْلُحُ لِشَيْءٍ!”

ثم أضاف الرب: “كَمَا يَلْتَصِقُ السِّرْبَالُ بِحَقْوِ الرَّجُلِ، كَذلِكَ أَلْصَقْتُ بِي كُلَّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَكُلَّ بَيْتِ يَهُوذَا لِيَكُونُوا لِي شَعْبًا وَاسْمًا وَفَخْرًا وَمَجْدًا. وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا!”

عندها أدرك إرميا عمق الكارثة التي تنتظر شعبه. لقد كانوا مثل السربال الذي فسد بسبب عصيانهم، وسيُلقى بهم بعيدًا عن وجه الرب إذا استمروا في غيّهم. لكن الرب أعطاهم فرصة للتوبة، فقال: “اِسْمَعُوا وَأَصْغُوا. لاَ تَتَكَبَّرُوا، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ تَكَلَّمَ. إِنْ لَمْ تَتُوبُوا، فَسَأُذِلُّ كِبْرِيَاءَكُمْ، وَتَصِيرُونَ عَبِيدًا لِأَعْدَائِكُمْ فِي أَرْضٍ غَرِيبَةٍ.”

لكن قلوب الشعب كانت قد قست، وآذانهم ثقُلَ عليها السماع. فانطلق إرميا بين الأزقة والأسواق يكرر التحذير، لكنهم سخروا منه، وظنوا أنهم آمنون لأنهم شعب الرب، وهيكله بينهم. لكن إرميا عرف أن الدينونة قادمة لا محالة، لأن الرب لا يُستهزأ به.

وهكذا، صار السربال الفاسد رمزًا لحال يهوذا، التي كانت يومًا شعبًا مقدسًا، لكنها صارت بلا قيمة بسبب خطيتها. لكن في وسط الدينونة، بقي رجاءٌ خفيٌّ في كلمات الرب: “إِنْ رَجَعُوا بِكُلِّ قُلُوبِهِمْ، فَسَأَرْحَمُهُمْ.” لكن هل سيتوبون قبل فوات الأوان؟

هذه كانت رسالة إرميا، النبي الحزين، الذي حمل في قلبه ألم شعبه، لكنه لم يستطع أن يغير مصيرهم ما داموا مصرين على الهلاك.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *