الكتاب المقدس

قصة هوشع وجومر: رحمة الله مع الخاطئين

**قصة هوشع وزوجته الخائنة: تجسيدٌ لرحمة الله**

في الأيام التي سبقت سقوط مملكة إسرائيل، عندما كان الشعب قد ابتعد عن الرب واتبع الأصنام، أرسل الله النبي هوشع ليكون رمزاً حياً لعلاقته مع شعبه الخائن. وفي الأيام التي تلت زواج هوشع من جومر، التي خانته وتركت بيت الزوجية لتتبع عشاقها، جاءت كلمة الرب إلى هوشع مرة أخرى.

كانت شوارع السامرة تعج بالضجيج والفجور، والباعة ينادون ببضائعهم في السوق، بينما كانت جومر، المرأة التي أحبها هوشع بقلب نقي، قد باعت نفسها للخطيئة. لقد تركت بيت نبي الله وتعيش الآن مع رجل آخر، بل ووصل بها الأمر إلى أن تصبح أمةً تباع في سوق العبيد. لكن الرب قال لهوشع: **”اذهب أيضاً، وأحبب امرأة محبة لصاحبها وزانية، محبة الرب لبني إسرائيل.”**

فلبى هوشع الأمر الإلهي بقلب مثقل بالألم لكنه ممتلئ بالطاعة. توجه إلى سوق النخاسين حيث كانت جومر مقيدة بالسلاسل، عيناها مليئتان بالخزي، وجسدها منهك من حياة الخطيئة. وقف هوشع أمامها، ورأى في عينيها الذل واليأس، لكنه لم يوبخها، بل مد يده واشتراها بخمسة عشر شاقلًا من الفضة وبعض الشعير.

قال لها بصوت هادئ لكنه حازم: **”عليكِ أن تقعدي في بيتي أياماً كثيرة، لا تزنين ولا تكوني لرجل، وأنا أيضاً لا آتي إليك.”** كانت هذه الكلمات تحمل في طياتها عقاباً لكنه عقابٌ يهدف إلى التطهير وليس الهدم. أراد هوشع أن تعيش جومر في عزلة عن خطيئتها، لتعيد التفكير في حياتها، وتتذكر محبة زوجها التي لم تكن تقدرها.

وبينما كانت جومر تعيش في بيت هوشع كأمة لا كزوجة، كان الرب يوضح لهوشع المعنى الروحي وراء هذه القصة. قال الرب: **”فإن بني إسرائيل سيبقون أياماً كثيرة بلا ملك، بلا رئيس، بلا ذبيحة، بلا تمثال، بلا أفود وترافيم.”** لقد كان هذا تحذيراً بأن الشعب سينفى إلى أرض غريبة، بعيداً عن كل بركاته السابقة، حتى يدركوا خطيتهم ويعودوا إلى الرب بإخلاص.

لكن الوعد الإلهي كان واضحاً: **”وبعد ذلك يرجع بنو إسرائيل ويطلبون الرب إلههم وداود ملكهم، ويفزعون إلى الرب وإلى جوده في آخر الأيام.”** فكما أن جومر ستعود إلى هوشع بعد فترة التوبة، سيعود إسرائيل إلى الرب بعد الضيقة.

وهكذا، عاشت جومر في بيت هوشع، تتعلم الدرس القاسي لكن الضروري: أن الحب الحقيقي لا يُشترى بالخيانة، وأن الرحمة الإلهية أكبر من أي خطيئة. وكانت حياتها صورةً للشعب العاصي الذي سيُؤدب لكنه لن يُنبذ إلى الأبد، لأن محبة الله لا تنتهي.

وفي النهاية، علم هوشع أن الله، رغم غضبه المقدس على الخطية، ينتظر بعينين دامعتين عودة الخاطئ، ليضمه إلى صدره من جديد.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *