**قصة من رسالة كورنثوس الثانية: الإصحاح الحادي عشر**
في مدينة كورنثوس العظيمة، حيث تلتقي الثقافات وتتنوع الأفكار، كان هناك كنيسة ناشئة تحاول أن تثبت إيمانها في وسط عالم مليء بالتحديات. كان الرسول بولس، ذلك الخادم الأمين للمسيح، يكتب إليهم بقلب مفعم بالحب والقلق. فقد سمع أن بعضًا من بينهم بدأوا ينصتون لتعاليم مزيفة، يبشر بها أناس كذبة يدّعون أنهم رسل للمسيح، لكنهم في الحقيقة كانوا يعملون على تضليل المؤمنين.
وبينما كان بولس يجلس في غرفته المتواضعة، ممسكًا بقلمه وورق البردي، شعر بثقل المسؤولية. كان يعرف أن عليه أن يحذر أبناءه الروحيين من هؤلاء المخادعين. فبدأ يكتب بروح التواضع والقوة في آن واحد:
**”أرجوكم أن تحتملوا قليلاً من جهالي! بل احتملوني، لأني غيور عليكم غيرة الله، إذ خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفات للمسيح.”**
كان بولس يتحدث بحنان أبوي، مذكرًا إياهم بأنه هو الذي جاءهم بالإنجيل أولاً، دون أن يطلب منهم أجرًا أو منفعة. لقد عمل بيديه كخيّاط للخيام ليكسب قوته، حتى لا يكون عبئًا عليهم. لكن هؤلاء الدخلاء، الذين يسمون أنفسهم “رسلاً”، كانوا يستغلون المؤمنين، يأخذون أموالهم ويتفاخرون بأمور زمنية.
ثم استمر بولس في كلامه، وبدأ يذكرهم بتجربته كخادم للمسيح، ليس ليفتخر، بل ليثبت أن خدمته كانت حقيقية ومليئة بالأتعاب:
**”هل هم خدام المسيح؟ أنا أقول كمجنون: أنا أفضل! في الأتعاب أكثر، في الضربات أوفر، في السجون أكثر، في الميتات مرارًا كثيرة.”**
وصف بولس كيف تعرض للجلد خمس مرات من اليهود، وكضرب بالعصي ثلاث مرات، وكاد أن يموت رجماً. ذكر سفره الطويل والمخاطر التي واجهها من لصوص، ومن أبناء جنسه، ومن الأمم، ومن البرية والبحر. وتحدث عن الجوع والعطش، وعن الأيام الباردة بلا لباس كافٍ.
لكن في وسط كل هذه الآلام، كان بولس يشعر بفرح عجيب، لأنه كان يحمل في جسده آلام المسيح، من أجل جسد المسيح، أي الكنيسة. كان يعرف أن كل هذه الأتعاب كانت من أجل محبته للمؤمنين في كورنثوس وفي كل مكان.
ثم ختم كلامه بتحذير شديد:
**”الله أبو ربنا يسوع المسيح، المبارك إلى الأبد، يعلم أني لست أكذب!”**
كان بولس يريد أن يفهمهم أن الخداع الروحي أخطر من أي اضطهاد جسدي. فالمسيح لم يمت على الصليب من أجل أن يُستبدل إنجيله بكلام بشري فارغ.
وهكذا، انتهى بولس من رسالته، وهو يصلي في قلبه أن يعود المؤمنون في كورنثوس إلى الإنجيل الحق، وأن يرفضوا كل تعليم يُبعدهم عن محبة المسيح البسيطة والعميقة.
**النهاية.**
هذه القصة تظهر غيرة بولس الرسول على نقاء الإنجيل، وتذكّرنا بأن الخدمة الحقيقية ليست في الكلام المعسول، بل في المحبة والتضحية من أجل الحق.