**قصة أستير: الفتاة اليتيمة التي أصبحت ملكة**
في تلك الأيام، حين كان الملك أحشويروش يحكم الإمبراطورية الفارسية العظيمة الممتدة من الهند إلى الحبشة، حدث أمر عظيم غير مجرى التاريخ. فقد غضب الملك على زوجته الملكة وشتي لأنها رفضت أن تأتي أمامه في الوليمة العظيمة التي أقامها، فقرر أن يعزل عنها ويبحث عن ملكة جديدة تكون أجمل منها وأطوع له.
فأصدر أمره إلى جميع ولايات مملكته أن تُجمع الفتيات العذارى الجميلات من كل الشعوب، فيُحضرن إلى قصر شوشن العظيم، حيث يُعتنَ بهنَّ لمدة اثني عشر شهرًا، ثم تُعرض كل واحدة على الملك لِيختار من بينهن ملكة بدلًا من وشتي.
وفي تلك الأيام، كانت هناك فتاة يهودية يتيمة تُدعى أستير (أو هدسة، كما كان اسمها العبري)، كانت تعيش في شوشن مع ابن عمها مردخاي، الذي تبنّاها بعد موت أبيها وأمها. وكانت أستير ذات جمال أخّاذ، وخلق رفيع، فحظيت بمحبة كل من رآها.
فلما سمع الخصيان الملكيون بأمر تجميع الفتيات، أخذوا أستير مع غيرهن إلى القصر، وسلموها إلى “هيغاي”، خصي الملك المسؤول عن حريم النساء. فأُعجِب هيغاي بأستير منذ اللحظة الأولى، فخصص لها أفضل غرف القصر، وأعطاها سبع خادمات مختارات، ونقلها إلى أفضل جناح في بيت النساء.
لكن أستير، بالرغم من جمالها، لم تتفاخر أو تطلب شيئًا زائدًا، بل سلكت بروح التواضع والحكمة. وكان مردخاي قد أوصاها ألا تُعلِم أحدًا عن أصلها اليهودي، فاحتفظت بسرّها، ولم يعرف أحد في القصر أنها من بني إسرائيل.
ومع مرور الأشهر، كانت الفتيات يُعدَّنَ للقاء الملك، فكنَّ يتزينَّ بكل ما يشتهين من ملابس وحليّ وعطور. لكن أستير، حين جاء دورها، لم تطلب سوى ما نصحها به هيغاي، فكانت بسيطة في زينتها، لكن نعمة الله كانت عليها، فأضاء جمالها أكثر من كل الذهب والأحجار الكريمة.
ولما دخلت على الملك أحشويروش، وقع في حبها من النظرة الأولى، فوجدت نعمة في عينيه أكثر من جميع العذارى. فوضع التاج الملكي على رأسها، وجعلها ملكة مكان وشتي. ثم أقام وليمة عظيمة باسمها، وزاد في عطاياه للأقاليم، وأعلن العفو عن كثيرين، كل ذلك ابتهاجًا بملكته الجديدة.
أما مردخاي، فكان يجلس كل يوم عند باب القصر، يطمئن على أستير، ويستمع إلى أخبار القصر. وفي أحد الأيام، سمع حديثًا بين خصيين للملك، هما بغثان وترش، فاكتشف أنهما يتآمران لقتل الملك. فأسرع وأخبر أستير، التي نقلت الخبر إلى الملك باسم مردخاي. فتحقق الملك من الأمر، ووجد الخبر صحيحًا، فأمر بإعدامهما. وكُتب هذا الفضل لمردخاي في سجلات الملك.
وهكذا، بقيت أستير في القصر، محفوظة بعناية الله، بينما كان مردخاي يترقب الأحداث، لا يدري أن دورًا أعظم ينتظرهم في الأيام القادمة، حين يتهدد شعب اليهود بخطر الإبادة. لكن الله كان يُعدّ الخلاص على يد هذه الفتاة اليتيمة التي رفعها من التراب إلى العرش، لتكون أداة خلاص لشعبها في الوقت المناسب.
وهكذا تظهر حكمة الله، الذي يرفع المتواضعين، ويُخفي عناصر خلاصه في أماكن غير متوقعة، ليُظهر مجده في الوقت المعيَّن.