**قصة أيوب: الاختبار والرجاء**
في أرض عوص، حيث تمتد الصحارى الشاسعة وتتلالأ النجوم كاللآلئ في الليل، عاش رجلٌ اسمه أيوب. كان أيوب رجلاً كاملاً ومستقيماً، يتقي الله ويحيد عن الشر. لكنّ السماء شاءت أن يُختبر إيمانه، ففقد كلّ ما يملك في يومٍ واحد: أبناؤه، مواشيه، وصحّته. جلس أيوب على كومة من الرماد، يحكّ جسده المتقرّح بقطعة من الفخار، بينما زوجته وأصدقاؤه وقفوا حوله في حيرةٍ وألم.
ووسط هذه المحنة، جاء أليفاز التيماني، أحد أصدقاء أيوب الثلاثة، ليعظه بكلامٍ اعتقد أنه حكمة من الله. فتحدّث إليه بكلماتٍ استوحاها من اختباراته، قائلاً:
**”استدعِ الآن، هل يُجيبك أحد؟ وإلى أي من القديسين تلجأ؟ لأن الغضب يقتل الجاهل، والحسد يميت البليد. أنا رأيت الجاهل يرسخ جذوره، وإذا بمسكنه ألعنته فجأة. بنوه بعيدون عن النجاة، يُسحقون في الباب ولا مُنقذ. يحصد الجائع زرعه، ويأخذه من بين الشوك، والعطشان يلهث وراء الثروة.”**
كان كلام أليفاز يحمل نبرة التوبيخ، كأنّ خطيّة خفيّة هي سبب بلاء أيوب. لكنّه في الحقيقة كان يحاول أن يقدّم له رجاءً، فقال:
**”لأنّ البليّة لا تخرج من التراب، ولا ينبت الشوك من الأرض. لكن الإنسان يُولد للمشقة كما تشتعل النار إلى فوق.”**
ثم استمرّ أليفاز في كلامه، محاولاً أن يوجّه أيوب إلى التوبة والرجوع إلى الله، قائلاً:
**”أما أنا فكنت أطلب إلى الله، وإلى الله أضع طلبتي. هو الصانع عجائب لا تُحصى، وجالب المطر على الأرض، ورافع المتواضعين، ومخلّص الحزانى. هو يخيب أفكار الأذكياء فلا تنجح حيلهم، ويُمسك الحكماء في مكرهم. النهار يلتقيهم الظلام، وفي الظهر يتحسّسون كما في الليل.”**
ثم ذكّره أليفاز برحمة الله وقدرته على الخلاص، فقال:
**”لكنّ الله يخلّص الفقير من السيف الذي في أفواههم، ومن يد القوي. فيكون للبائس رجاء، أما الإثم فيسدّ فاه.”**
وتابع موضّحاً بركات الطاعة لله:
**”هوذا طوبى لمن يؤدّبه الله. فلا ترفض تأديب القدير. لأنه هو يجرح ويعصب، يسحق ويداه تشفيان. في ستّ شدائد ينجّيك، وفي سبع لا يمسّك السوء. في الجوع يفديك من الموت، وفي الحرب من حدّ السيف. من لسان السوء تُستر، ولا تخشى الخراب إذا جاء. للخراب والجوع تضحك، ولا تخشى وحوش الأرض. لأنك تكون مع حجارة الحقل في عهد، ووحوش البرية تصالحك.”**
ثم ختم أليفاز كلامه بالوعد الإلهي للأبرار:
**”وتعلم أن خيمتك آمنة، وتفتقد مسكنك فلا تخطئ. وتعلم أن نسلك كثير، وذرّيتك كعشب الأرض. تدخل في القبر في شيخوخةٍ كاملة، كإنتقال حزمة القمح في أوانها.”**
لكنّ أيوب، رغم كلّ هذه الكلمات، ظلّ متألّماً وحائراً. فهو لم يجد في نفسه خطيّةً تستدعي هذا العقاب الشديد. كان قلبه منكسراً، لكنّ إيمانه لم يترنّح. ففي أعماقه، كان يعلم أنّ الله عادلٌ وحكيم، وأنّ طريقه، رغم ظلمتها الآن، ستؤول إلى نور.
وهكذا، بقيت قصة أيوب تذكرةً للأجيال بأنّ الاختبار قد يأتي حتى على الأبرار، لكنّ رحمة الله وتدبيره أعظم من أن يُدركها البشر. ففي النهاية، كما علّم أليفاز، “القدير يخلّص البائس، ويُعطي الرجاء لمن يثق به.”