**قصة سليمان الحكيم والتأمل في باطل الحياة**
في أيام الملك سليمان بن داود، حين كان يجلس على عرش إسرائيل في أورشليم، امتلأت خزائنه ذهبًا وفضةً، وازدهرت مملكته بالحكمة والعلم. لكن مع كل هذا المجد، كان لسليمان قلبٌ متأملٌ يبحث عن معنى الحياة الحقيقي. وفي أحد الأيام، بينما كان يتجول في حدائق القصر، رأى رجلاً عجوزًا يجلس عند بوابة المدينة، يرتدي ثيابًا بالية، وعيناه تفيضان بالحزن.
توقف سليمان وسأله: **”ما الذي يثقل قلبك يا هذا؟”**
فأجاب الرجل بحسرة: **”يا سيدي الملك، لقد منحني الله ثروةً عظيمةً وأولادًا كثيرين، وعشت سنواتٍ طويلة، لكنني لم أستمتع بشيءٍ من ذلك. فكل ما كسبته ذهب لغرباء، وأولادي لا يهتمون بي. فأي نفعٍ من تعبي؟”**
فتذكر سليمان كلمات الحكمة التي كتبها في سفر الجامعة: **”هُنَاكَ شَرٌّ رَأَيْتُهُ تَحْتَ الشَّمْسِ، وَهُوَ ثَقِيلٌ عَلَى الإِنْسَانِ: أَنْ يُعْطِيَ اللهُ إِنْسَانًا غِنًى وَأَمْوَالاً وَكَرَامَةً، حَتَّى لاَ يَنْقُصَ نَفْسَهُ مِنْ كُلِّ مَا يَشْتَهِي، وَلكِنَّ اللهَ لاَ يُسَلِّطُهُ عَلَى أَكْلِهِ، بَلْ يَأْكُلُهُ غَرِيبٌ! هذَا بَاطِلٌ وَبِلاَءٌ رَدِيءٌ.”** (الجامعة 6: 1-2).
عاد سليمان إلى قصره وهو يفكر في حال ذلك الرجل. جلس في حجرته وكتب في دروس الحكمة: **”إِنْ وَلَدَ إِنْسَانٌ مِئَةً وَعَاشَ سِنِينَ كَثِيرَةً، وَكَثُرَتْ أَيَّامُ سِنِيهِ، لكِنْ لَمْ تَشْبَعْ نَفْسُهُ مِنَ الْخَيْرِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ دَفْنٌ، فَأَقُولُ: إِنَّ السِّقْطَ خَيْرٌ مِنْهُ!”** (الجامعة 6: 3).
ثم دعا سليمان حكماء البلاط وسألهم: **”أليس من العبث أن يعيش الإنسان طويلاً، ويكتسب الكثير، لكنه لا يجد فرحًا في قلبه؟”**
فأجاب أحد الحكماء: **”إن الإنسان بدون بركة الله يشبه الظل الذي يمر دون أن يترك أثرًا.”**
فأضاف سليمان: **”حتى لو مشى الإنسان ألف سنة، أليس مصيره واحدًا؟ فما الفائدة من كل تعبه تحت الشمس؟”**
وفي تلك الليلة، رأى سليمان حلمًا عجيبًا. رأى رجلاً يسعى وراء المال والجاه، يكدح نهارًا ويسهر ليلاً، لكنه حين امتلك كل شيء، مات فجأةً، وترك كل ما جمعه لآخرين لا يعرفونه. ثم رأى رجلاً فقيرًا راضيًا، يشكر الله كل يوم، فكانت حياته مليئة بالسلام.
استيقظ سليمان من نومه وهو يدرك الحكمة الإلهية: **”اَلْحِكْمَةُ خَيْرٌ مِنَ الْقُوَّةِ.”** (الجامعة 9: 16). فكتب في مذكراته: **”اَلنَّاظِرُ بِالشَّمْسِ لاَ يَرَاهَا، وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَرْجِعَ لِيَنْظُرَ مَا كَانَ. فَمَا الْفَائِدَةُ لِلإِنْسَانِ مِنْ كُلِّ تَعَبِهِ الَّذِي يَتْعَبُهُ تَحْتَ الشَّمْسِ؟”** (الجامعة 6: 5-6).
ومن ذلك اليوم، بدأ سليمان يعلم شعبه قائلاً: **”لا تلهثوا وراء الغنى الزائل، ولا تتعبوا أنفسكم لأجل ما يزول. بل ابحثوا عن الحكمة، واخدموا الرب بقلبٍ شاكر، لأن الفرح الحقيقي هو في معرفة الله ورضاه.”**
وهكذا، اختتم سليمان تأملاته بقوله: **”اَللهُ هُوَ الَّذِي يَمْنَحُ الْفَرَحَ فِي الْقَلْبِ، وَبِدُونِهِ تَصِيرُ كُلُّ أَعْمَالِ الإِنْسَانِ بَاطِلَةً كَالرِّيحِ!”**