الكتاب المقدس

نبوءة عوبديا: دينونة أدوم وخيانة الأخوة

**قصة نبوءة عوبديا: دينونة أدوم**

في الأيام القديمة، عندما كانت مملكتا يهوذا وإسرائيل تتأرجحان بين النعم والعقوبات الإلهية، أرسل الله النبي عوبديا ليحمل رسالة قاسية إلى أدوم، الشعب الذي ينحدر من عيسو، الأخ التوأم ليعقوب. كانت أدوم تقطن في الجبال الوعرة جنوبي البحر الميت، حيث بنوا مدناً محصنة في الصخور، وظنوا أنهم بمنأى عن أي خطر. لكن قلوبهم امتلأت بالكبرياء والعداء لإخوتهم من بني يعقوب.

### **الكبرياء والسقوط**

رأى عوبديا في رؤياه كلمات الرب تنزل عليه كالنار: **”هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ عَنْ أَدُومَ: قَدْ سَمِعْنَا خَبَرًا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ، وَأُرْسِلَ رَسُولٌ إِلَى الأُمَمِ: قُومُوا لِنَقُومَ عَلَيْهَا لِلْحَرْبِ!”** (عوبديا 1: 1).

كان الأدوميون يفتخرون بحكمتهم وقوتهم، ويعتقدون أن جبالهم الشاهقة تحميهم. لكن الرب كشف لعوبديا أن حكمتهم ستُخذل، ومخابئهم في الصخور لن تنقذهم. **”إِنْ كُنْتَ تَرْتَفِعُ كَالنَّسْرِ، وَإِنْ كُنْتَ بَيْنَ النُّجُومِ تَضَعُ عُشَّكَ، فَمِنْ هُنَاكَ أُحْطِمُكَ، يَقُولُ الرَّبُّ”** (عوبديا 1: 4).

### **الخيانة والدم**

لكن خطية أدوم لم تكن مجرد كبرياء، بل خيانة دموية. عندما اجتاحت جيوش بابل أورشليم ودمرتها، وقف الأدوميون يشمتون. بل إنهم انتهزوا الفرصة لينقضوا على الهاربين من بني يهوذا، ويسلموهم للأعداء، ويسرقوا خيرات المدينة المنكوبة. **”يَوْمَ وَقَفْتَ مُبَاعِدًا، يَوْمَ سَبَى الْغُرَبَاءُ جُنْدَهُ، وَدَخَلَ الأَجَانِبُ أَبْوَابَهُ وَأَلْقَوْا الْقُرْعَةَ عَلَى أُورُشَلِيمَ، كُنْتَ أَنْتَ أَيْضًا كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ!”** (عوبديا 1: 11).

لقد نسي الأدوميون أن الدم الذي يجري في عروقهم هو نفس الدم الذي يجري في عروق إخوتهم الإسرائيليين. لقد خانوا رابطة الأخوة، فجاءت الدينونة لا محالة.

### **الدينونة والعدل الإلهي**

أعلن عوبديا أن يوم الرب قريب على كل الأمم، وكما فعل أدوم، سيفعل به. **”لأَنَّهُ كَمَا شَرِبْتَ عَلَى جَبَلِ قُدْسِي، تَشْرَبُ جَمِيعُ الأُمَمِ دَائِمًا. يَشْرَبُونَ وَيَبْلَعُونَ، وَيَكُونُونَ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا”** (عوبديا 1: 16).

لكن وسط هذه الدينونة، كانت هناك بشارة لبيت يعقوب. فبعد العقاب، سيعودون إلى أرضهم، ويستردون ميراثهم. أما أدوم، فستصير أرضهم خراباً، **”وَيَكُونُ بَيْتُ يَعْقُوبَ نَارًا، وَبَيْتُ يُوسُفَ لَهِيبًا، وَبَيْتُ عِيسُو قَشًّا، فَيُضْرَمُونَ فِيهِمْ وَيَأْكُلُونَهُمْ. فَلاَ يَكُونُ بَاقٍ لِبَيْتِ عِيسُو”** (عوبديا 1: 18).

### **العبرة الأبدية**

وهكذا تحققت نبوءة عوبديا. فبعد سنوات، اجتاحت قبائل نبطية أدوم، ثم جاء الرومان وحولوا أرضهم إلى خراب. أما إسرائيل، فبالرغم من تشتتهم، عادوا إلى أرضهم، لأن مواعيد الرب لا تتغير.

لقد كانت قصة أدوم تحذيراً لكل من يتعامل بقسوة مع إخوته، وخاصة شعب الله. فالله يحفظ عهده مع شعبه، ويجازي كل خائن. **”لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ تَكَلَّمَ!”** (عوبديا 1: 18).

وهكذا تبقى كلمات عوبديا تذكيراً أبدياً بأن الله عادل، لا يترك شراً بلا عقاب، ولا ينسى وعوده لأولاده الأمناء.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *