**قصة التذكير بالنعم والوصية بالطاعة (تثنية 11)**
كان بنو إسرائيل قد اقتربوا من نهاية رحلتهم الطويلة في البرية، بعد أربعين عامًا من التيه والعبرات. وقف موسى، النبي العظيم، أمام الجمهور الواسع من الشيوخ والشباب والأطفال، تحت سماء صافية تمتد فوق سهول موآب. كانت عيناه تلمعان بحكمة السنوات، وصوته يهزّ القلوب بقوة الحق الإلهي.
بدأ موسى يذكّرهم بقصة خروجهم من مصر، وكيف رأوا بأعينهم آيات الرب العظيمة. قال:
“اذكروا اليوم الذي وقفتم فيه على شاطئ البحر الأحمر، والمياه كالجبال حولكم، وفرعون بجنوده يتقدمون كالعاصفة. فرفع الرب يده وشقّ البحر أمامكم، وسلكتم في وسط المياه كأنها صحراء جافة! ثم أغرق تلك المركبات والفرسان، فغطتهم المياه كالحجارة الثقيلة. هل نسيتُم كيف رعاكم الرب كالأب الحنون في البرية القاحلة؟ ألم يُنْزِل لكم المنّ من السماء كل صباح، والماء من الصخر العتيق؟”
سكت برهة، ثم أشار بيده نحو الأفق، حيث كانت أرض كنعان تلوح في البعيد، أرضًا تفيض لبنًا وعسلًا. وتابع:
“ها هي الأرض الطيبة التي وعدكم بها الرب، أرض الجبال والوديان، تنتظر خطواتكم المباركة. لكن اسمعوا كلام الرب، فإن البركة ليست مجرد هبة تُمنح بلا شرط. إنها ثمرة الطاعة والإيمان.”
ثم شرح لهم موسى بكل وضوح:
“إذا سمعتم وصايا الرب وعملتم بها، فإنه سيمنحكم المطر في وقته، مبكرًا ومتأخرًا، لتنمو محاصيلكم وتزدهر كرومكم. ستشبعون من خيرات الأرض، وتَسْقُط بركته على مواشيكم وأولادكم. أما إذا انحرفتم وعبَدتم آلهة أخرى، فاحذروا! فإن الرب سيغلق السماء، فلا مطر ولا نبات، وتصبح الأرض كالحديد تحت أقدامكم.”
ثم أشار موسى إلى جبال جرزيم وعيبال، وقال:
“عندما تعبرون الأردن، قفوا على هذين الجبلين واذكروا هذه الكلمات. البركة على من يطيع، واللعنة على من يعصي. فاخترُوا اليوم الحياة، لا الموت! التزموا بمحبة الرب وإخلاصكم له، لأنه هو الطريق والحق.”
انتهى موسى من كلامه، وساد صمتٌ عميقٌ بين الجموع. شعر الكل بعظمة اللحظة، وكأن السماء والأرض تشهدان على هذا العهد. فرفعوا عيونهم نحو الأرض الموعودة، وعزموا في قلوبهم أن يكونوا أمناء للرب الذي حررهم وهداهم.
وهكذا تذكَّر بنو إسرائيل نعم الله، وتشجَّعوا ليعبروا الأردن بإيمان، حاملين معهم وصايا الرب ككنز ثمين، وعِبر الماضي كمنارة تضيء طريق المستقبل.