**قصة من رسالة كورنثوس الثانية: الفصل الثالث**
في مدينة كورنثوس العظيمة، حيث تلتقي الثقافات وتتنوع الأعراق، كان هناك جماعة من المؤمنين بالمسيح يعيشون وسط تحديات كثيرة. كان بعضهم قد جاء من خلفيات يهودية، والبعض الآخر من الأمم الذين آمنوا بالإله الحقيقي. لكنهم جميعاً كانوا يواجهون صعوبات في فهم ماهية العهد الجديد الذي أتى به المسيح، وكيف يختلف عن العهد القديم الذي تسلّمه موسى على جبل سيناء.
في وسط هذه الظروف، كتب الرسول بولس إليهم رسالة عميقة مليئة بالحكمة الإلهية، مفسراً لهم الفرق بين المجد القديم الذي كان على وجه موسى، والمجد الأسمى الذي يأتي من الروح القدس.
**مجد العهد القديم ومحدوديته**
تذكر بولس أيام موسى، عندما نزل من الجبل ومعه لوحا الشريعة، وكيف كان وجهه يلمع بمجد إلهي لدرجة أن بني إسرائيل لم يستطيعوا التحديق إليه. لكن هذا المجد، رغم عظمته، كان مؤقتاً ومتلاشياً. كان موسى يضع برقعاً على وجهه حتى لا يرى الشعب أن المجد قد زال. وهذا البرقع كان رمزاً لقلوب بني إسرائيل التي ظلت مغلقة، غير قادرة على رؤية الحق الكامل الذي سيأتي بالمسيح.
**مجد العهد الجديد الدائم**
ثم انتقل بولس ليتحدث عن العهد الجديد، عهد الروح، الذي لا يعتمد على حروف مكتوبة على حجر، بل على عمل الله في القلوب. قال لهم: “إِنْ كَانَ خِدْمَةُ ٱلْمَوْتِ، ٱلْمَنْقُوشَةُ بِحُرُوفٍ فِي حِجَارَةٍ، قَدْ صَارَتْ بِمَجْدٍ، حَتَّى لَمْ يَسْتَطِعْ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى وَجْهِ مُوسَى لِسَبَبِ مَجْدِ وَجْهِهِ ٱلزَّائِلِ، فَكَيْفَ لَا تَكُونُ خِدْمَةُ ٱلرُّوحِ بِمَجْدٍ أَعْظَمَ؟”
لقد جاء المسيح ليكسر الحاجز بين الله والإنسان، فلا حاجة بعد الآن لبرقع يخفي المجد الزائل، لأن الروح القدس يعمل في قلوب المؤمنين، محوّلاً إياهم من مجد إلى مجد، كما من الرب الروح.
**الحرية في الروح**
وأكمل بولس قائلاً: “أَمَّا ٱلرَّبُّ فَهُوَ ٱلرُّوحُ، وَحَيْثُ رُوحُ ٱلرَّبِّ هُنَاكَ حُرِّيَّةٌ.” لم يعد المؤمنون عبيداً للناموس بحروفه، بل صاروا أبناءً لله، ينظرون إليه بوجوه مكشوفة، ويعكسون مجده كمرآة. فبينما كان العهد القديم يعلن الدينونة، جاء العهد الجديد ليعطي رجاءً وحياة.
وهكذا، فهم المؤمنون في كورنثوس أنهم ليسوا تحت ثقل الناموس، بل تحت نعمة الله الفائقة. لقد تحرروا من عبودية الحرف، وصاروا خداماً للبرّ بالروح، الذي يمنح قوة وحياة أبدية.
**ختام القصة**
انتهى بولس كلامه بتذكيرهم بأن هذا المجد لا يفنى، لأنه ليس من هذا العالم، بل من الله الذي يغيرنا إلى صورته بمحبته ورحمته. وهكذا، عاش المؤمنون في كورنثوس وهم يعلمون أنهم جزء من قصة أكبر، قصة الفداء والمجد الذي لا ينتهي.
فليتذكر كل من يقرأ هذه الكلمات أننا، بروح الله، نستطيع أن نعكس نوره للعالم، ليس بقوتنا، بل بقوة ذاك الذي يحوّل القلوب الحجرية إلى قلوب لحمية، ويكتب ناموسه فيها بالإيمان والمحبة.