**قصة المزمور 102: صلاة المتألم ووعود الله الأبدية**
في أيامٍ قديمة، حين كانت مملكة يهوذا تعاني من ضيقات شديدة، وارتفعت أصوات الشعب إلى السماء طلبًا للنجاة، كتب أحد أبناء الله مزمورًا يفيض بالألم والرجاء. كان هذا الرجل، الذي لم يُذكر اسمه، يعيش في زمنٍ صعبٍ حيث حلّ الدمار بالبلاد، وتشتت الشعب، وبدا وكأن الله قد تخلى عنهم. لكن في وسط اليأس، أدرك هذا المؤمن أن صرخته لن تذهب سدى، لأن الرب يسمع صوت المنكسري القلوب.
### **صراخ القلب المنكسر**
جلس الرجل وحيدًا في ظل الخراب، يشبه “بومة في البرية” أو “عصفورًا منفردًا على السطح”. كانت أيامه تتبدد مثل الدخان، وعظامه تحترق كالفحم. لم يعد يجد طعمًا للطعام، فصار جسده هزيلًا كالعشب اليابس. حتى صوته بات ضعيفًا من شدة البكاء، فكان يصرخ:
**”يَا رَبُّ، اسْتَمِعْ صَلَاتِي، وَلْيَصِلْ إِلَيْكَ صُرَاخِي! لَا تُحْجِبْ وَجْهَكَ عَنِّي فِي يَوْمِ ضِيقِي. أَمِلْ إِلَيَّ أُذُنَكَ. فِي يَوْمِ أَدْعُوكَ اسْتَجِبْ لِي سَرِيعًا!”**
كان يشعر أن حياته تتلاشى، وأن أعداءه يستهزئون به، فصار اسمه لعنة بينهم. لكن في أعماقه، كان يعلم أن الرب لا يرفض الصلاة المشبعة بالانكسار.
### **تذكُّر أزمنة النعمة**
رفع عينيه نحو السماء، متذكرًا أمانة الله في الماضي. تذكر كيف أقام الرب صهيون، وكيف كان مجده يملأ الهيكل. تذكر وعود الله لإبراهيم وإسحاق ويعقوب، وكيف أن الرب “نظر إلى صلاة المنقطعين، ولم يَرْذُلْ صلاتهم”. فبدأ قلبه يمتلئ رجاءً، حتى في وسط الدمار.
لكن نظرته لم تكن فقط إلى الماضي، بل إلى المستقبل أيضًا. فتنبأ بأيامٍ سيُعاد فيها بناء صهيون، ويُظهر الله مجده للأجيال القادمة. قال في قلبه:
**”سَيُخْطُّونَ هَذَا لِلْجِيلِ الآخِرِ، وَشَعْبٌ مُسْتَحْدَثٌ سَيُسَبِّحُ الرَّبَّ. فَإِنَّهُ أَطْلَعَ مِنْ عَلْيَاءِ قُدْسِهِ. الرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ نَظَرَ إِلَى الأَرْضِ، لِيَسْمَعَ أَنِينَ الأَسِيرِ، وَيُحَرِّرَ حُكْمَ أَبْنَاءِ الْمَوْتِ.”**
### **ثبات كلمة الرب رغم تغير العالم**
ثم تأمل في عظمة الله الأبدية، وكيف أن السموات والأرض تبلى مثل الثوب، لكن الرب يبقى إلى الأبد. قال:
**”أَنْتَ هُوَ الرَّبُّ، وَإِلَى الدَّهْرِ تَبْقَى. وَسَنَوَاتُكَ لَنْ تَنْتَهِي. بَنُو عَبِيدِكَ سَيَسْكُنُونَ بِأَمَانٍ، وَذُرِّيَّتُهُمْ أَمَامَكَ تُثَبَّتُ.”**
فمهما تغيرت الظروف، ومهما طال الزمن، فإن الله لا يتغير. هو نفسه الذي استجاب لإيليا على جبل الكرمل، وهو الذي أنقذ يونان من أعماق البحر، وهو الذي سمع لصلاة داود حين كان مطاردًا. فكيف يترك صرخة هذا المؤمن تذهب دون إجابة؟
### **ختام الصلاة بثقة النصرة**
انتهت صلاته بنبرة انتصار، لأنه علم أن الرب سيتدخل في الوقت المناسب. فالله لا ينسى العهد الذي قطعه مع شعبه. سوف يرحم صهيون، لأن الوقت قد قرب لإنقاذها. وسيأتي يومٌ يظهر فيه مجد الله لكل الأمم، فيخضع الجميع أمام قداسته.
وهكذا، ختم المزمور بتسبحة إيمان:
**”هَذَا يُكْتَبُ لِلْجِيلِ الآخِرِ، فَيُسَبِّحُ الرَّبَّ شَعْبٌ مُسْتَحْدَثٌ. لِكَيْ يُخْبِرُوا بِذَلِكَ فِي صِهْيَوْنَ بِمَجْدِ الرَّبِّ.”**
ففي النهاية، تعلم هذا المؤمن أن آلامه ليست نهاية القصة، بل هي جزء من خطة الله الأكبر. فالصلاة المنكسرة لا تسقط على الأرض، بل تصعد أمام عرش النعمة، ليجيبها الرب في وقته الكامل. وهكذا، يبقى رجاء المؤمنين ثابتًا، لأن إله الأمس هو هو اليوم وإلى الأبد.