الكتاب المقدس

صلاة داود في الاضطهاد: ثقة القلب النقي

**قصة مزمور ١٧: صلاة داود في ظل الاضطهاد**

في أيام الملك داود، قبل أن يصعد إلى العرش، حينما كان مطارَدًا من قِبَل شاول الملك، وجد نفسه في برية يهوذا القاحلة، بين الجبال والصخور التي لا ترحم. كان شاول قد خرج بجيشه العظيم للبحث عن داود ليقتله، رغم أن داود لم يُخطئ في حقه قط. فاضطر داود أن يهرب إلى المغاور والكهوف، محتميًا بالله وحده.

وفي إحدى الليالي، بينما كان داود جالسًا في كهف عَدْلَام، مُحاطًا بأصحابه الأوفياء الذين تبعوه في محنته، شعر بثقل الاضطهاد يكبله. فنظر إلى السماء المرصعة بالنجوم، ورفع صوته إلى الرب، مصليًا من أعماق قلبه:

**”اسمع يا ربُّ العدل، أصغِ إلى صراخي، تَوجَّه إلى صلاتي التي من شفتين بلا خداع!”**

كان داود يعلم أن الله يراه، ويعرف براءته. فلم يكن في قلبه غشٌّ ولا خداع، بل كان إيمانه نقيًا كالذهب المصفَّى. وتذكر كيف أن الله اختبره في كل خطوة، فلم يجد في فمه إثمًا، بل كان لسانه حريصًا على كلام الحق.

**”جربت قلبي، زرتَني في الليل، امتحنتني فلم تجد فيَّ شرًا!”**

لكن الأعداء كانوا يحيطون به كأسدٍ جائع يتربص بفريسته. كان شاول وجنوده لا يرحمون، وكلماتهم حادة كسيوف، يطلقونها بغدر. فصرخ داود إلى الرب:

**”احفظني كحدقة العين، بظلِّ جناحيكَ استرني!”**

وتخيل داود نفسه كفرخٍ صغير تحت أجنحة النسر، محميًا من كل خطر. فالله كان ملجأه الوحيد، وحصنه المنيع. لكن الأشرار حوله كانوا متربصين، كالذئاب التي تنتظر اللحظة المناسبة للانقضاض.

**”قلوبهم قاسية، أفواههم تتكلم بالكبرياء!”**

وفي تلك اللحظة، سمع داود صوت خطوات تقترب من الكهف. فالتفت إلى رجاله، وهم يهمسون بقلق: “ربما هم جنود شاول!” لكن داود رفع عينيه إلى السماء مرة أخرى، وهمس:

**”قم يا رب، واجعلهم يعثرون بسيفك القوي!”**

وفجأة، سمع صوت ارتباك خارج الكهف. فقد كان شاول قد دخل إلى نفس الكهف لقضاء حاجته، دون أن يعلم أن داود ورجاله مختبئون في الظلام. فقال رجال داود له: “هذه فرصة من الرب لقتل عدوك!” لكن داود، الذي كان قلبه متعلقًا بوصايا الله، رفض أن يمد يده إلى مسيح الرب، حتى لو كان مضطهِده.

وبدلًا من الانتقام، قطع داود طرفًا من جُبَّة شاول سرًا، ثم ناداه بعد خروجه:

**”يا سيدي الملك! انظر إلى طرف جبتك في يدي! فلو كنتُ شريرًا، لكنت قد أهلكتك. لكني لا أريد دمك، لأن الرب هو الذي سيحكم بيني وبينك!”**

وعندما سمع شاول هذا الكلام، ذرف الدموع، وعرف أن داود كان بارًا في كل طريقه. لكن قساوة قلب شاول عادت فيما بعد، واضطر داود أن يهرب مرة أخرى.

وفي عزّ محنته، عاد داود إلى الصلاة، واثقًا أن الله لن يتخلى عنه:

**”أما أنا فبالبر سأطلع على وجهك، فإذا استيقظت أشبع من صورتك!”**

فقد كان يعلم أن الأشرار سيزولون كالزبد، لكن البار سيرى مجد الله. وهكذا، ظل داود ثابتًا في إيمانه، حتى أنقذه الرب في النهاية، وجعله ملكًا على إسرائيل، ليملأ أيامه بالبركة والنصر.

وهكذا، تظهر لنا صلاة داود في المزمور السابع عشر قوة الإيمان في وجه الاضطهاد، وثقة البار بأن الله لن يتخلى عن الذين يتكلون عليه بقلب نقي.

LEAVE A RESPONSE

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *